(وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) أي وعيده (وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ) (٢١) تقدم مثله (وَالَّذِينَ صَبَرُوا) على الطاعة والبلاء وعن المعصية (ابْتِغاءَ) طلب (وَجْهِ رَبِّهِمْ) لا غيره من أعراض الدنيا (وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا) في الطاعة (مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ) يدفعون (بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) كالجهل بالحلم والأذى بالصبر (أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) (٢٢) أي العاقبة المحمودة في الدار الآخرة
____________________________________
والمعنى أنهم يأتون بالإيمان بشروطه وأركانه وآدابه. قوله : (والرحم) أي القرابة ، لما في الحديث : «يقول الله تعالى : أنا الرحمن ، خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي ، فمن وصلها وصلته ، ومن قطعها قطعته». وقال عليه الصلاة والسّلام «الرحم معلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله ، ومن قطعني قطعه الله». وصلة الرحم تكون ببذل المعروف والإنفاق بحسب الاستطاعة. قوله : (وغير ذلك) أي كالتوادد للناس ، وعيادة المريض ، وغير ذلك ، لما في الحديث : «التوادد مع الناس نصف العقل» ، وفي الحديث : «وخالق الناس بخلق حسن ، والتوادد بإعطاء من حرمك ، ووصل من قطعك ، والعفو عمن ظلمك». قوله : (ويخشون ربهم) أي يهابونه إجلالا وتعظيما ، فلا يخشون غيره ، ولا يلتفتون لما سواه. قوله : (وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ) أي يخافون الحساب السيىء المؤدي لدخول النار.
قوله : (وَالَّذِينَ صَبَرُوا) (على الطاعة) إلخ ، أشار المفسر إلى أن مراتب الصبر ثلاثة : أعلاها الصبر عن المعصية ، وهو عدم فعلها رأسا. ويليها الصبر على الطاعات ، أي دوام فعلها على حسب الطاقة. ويليها الصبر على البلاء. وأعلى الجميع الصبر عن الشهوات ، لأنه مرتبة الأولياء والصديقين. قوله : (ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ) أي طلبا لمرضاته. قوله : (لا غيره من أعراض الدنيا) أي كالصبر ليقال : ما أكمل صبره وأشد قوته ، أو لئلا يعاب على الجزع ، أو لئلا تشمت به الأعداء ، وغير ذلك من الأمور التي تكون لغير وجه الله ، وفضل الصبر لوجه الله عظيم جدا. قال تعالى : (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) الآية ، وورد «إذا كان يوم القيامة ، نادى مناد : ليقم أهل الصبر ، فيقوم ناس من الناس ، فيقال لهم : انطلقوا إلى الجنة ، فتتلقاهم الملائكة فتقول : إلى أين؟ فيقولون : إلى الجنة ، قالوا : قبل الحساب؟ قال : نعم ، فيقولون : من أنتم؟ فيقولون : نحن أهل الصبر ، قالوا : وما كان صبركم؟ قالوا : صبرنا على أنفسنا على طاعة الله ، وصبرناها عن معاصي الله ، وصبرناها على البلايا والمحن في الدنيا ، فتقول لهم الملائكة : سلام عليكم بما صبرتم ، فنعم عقبى الدار.
قوله : (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) أي فرضا أو نفلا ، بالإتيان بها بشروطها وأركانها وآدابها. قوله : (وَأَنْفَقُوا) (في الطاعة) أي انفاقا واجبا كالزكاة والنفقات الواجبة ، أو مندوبا كالتطوعات. قوله : (سِرًّا وَعَلانِيَةً) أي لم يعلم به أحد أو علم ، فالمدار على الإخلاص في النفقة ، سر بها أو أعلن. قوله : (كالجهل بالحلم) أي فيدفع السفه والتعدي بالحلم وعدم المؤاخذة. قوله : (والأذى بالصبر) أي فلا يكافئون الشر بالشر بل يدفعون الشر بالخير والصبر. قوله : (أُولئِكَ) مبتدأ ، وقوله : (لَهُمْ) خبر مقدم ، و (عُقْبَى الدَّارِ) مبتدأ مؤخر ، والجملة خبر المبتدأ الأول ، وهي مستأنفة لبيان جزاء من ذكر. قوله : (أي العاقبة المحمودة في الدار الآخرة) أشار بذلك إلى أن النعت محذوف ، والإضافة على معنى في ، فالعقبى المحمودة في الجنة.