بها دون غيرها لأن أكثر الأفعال تزاول بها (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ) أي بذي ظلم (لِلْعَبِيدِ) (٥١) فيعذبهم بغير ذنب دأب هؤلاء (كَدَأْبِ) كعادة (آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ) بالعقاب (بِذُنُوبِهِمْ) جملة كفروا وما بعدها مفسرة لما قبلها (إِنَّ اللهَ قَوِيٌ) على ما يريده (شَدِيدُ الْعِقابِ) (٥٢) (ذلِكَ) أي تعذيب الكفرة (بِأَنَ) أي بسبب أن (اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ) مبدلا لها بالنقمة (حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) يبدلوا نعمتهم كفرا كتبديل كفار مكة إطعامهم من جوع وأمنهم من خوف وبعث النبي صلىاللهعليهوسلم إليهم بالكفر والصد عن سبيل الله وقتال المؤمنين (وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٥٣) (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ) قومه معه (وَكُلٌ) من الأمم المكذبة (كانُوا
____________________________________
(أَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ونفي الظلم عن الله كناية عن العدل ، فكأنه قال ذلك بسبب الذي قدمته أيديكم ، وبسبب عدل الله فيكم. قوله : (أي بذي ظلم) دفع بذلك ما يتوهم من ظاهر الآية ، أن أصل الظلم ثابت لله ، والمنفي كثرته ، فأجاب المفسر بأن هذه الصيغة ليست للمبالغة بل للنسب ، قال ابن مالك :
ومع فعل وفعال فعل |
|
في نسب أغنى عن اليا فقبل |
وحينئذ فقد انتفى أصل الظلم ، بل لا يريده أصلا ، قال تعالى : (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ) لأن الإرادة لا تتعلق إلا بالجائز ، والظلم من الله مستحيل عقلا ، لأن حقيقة التصرف في ملك الغير من غير إذنه ، ولا يتصور العقل ملكا لغير الله. قوله : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) الكاف متعلقة بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف ، قدره المفسر بقوله : (دأب هؤلاء) وهذا تسلية له صلىاللهعليهوسلم. قوله : (كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) تفصيل للدأب وتفسير له ، كما قال المفسر. قوله : (فَأَخَذَهُمُ اللهُ) أي أهلكهم ، لكن هلاك غير هذه الأمة بالرجفة والزلزلة والكسف والمسح من كل عذاب عام ، وهلاك كفار هذه الأمة بالسيف ، فالمماثلة في مطلق الهلاك. قوله : (بِذُنُوبِهِمْ) الباء سببية.
قوله : (إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ) كالدليل لما قبله. قوله : (أي تعذيب الكفرة) أي بسبب ما قدمت أيديهم. قوله : (بِأَنَّ اللهَ) الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر عن اسم الإشارة ، والجملة تعليل لمجموع المعلول وعلته السابقين. قوله : (لَمْ يَكُ) مجزوم بسكون النون المحذوفة تخفيفا ، قال ابن مالك :
ومن مضارع لكان منجزم |
|
تحذف نون وهو حذف ما التزم |
وأصله يكون دخل الجازم فسكنت النون فالتقى ساكنان ، حذفت الواو لالتقائهما ، ثم حذفت النون تخفيفا. قوله : (يبدلوا نعمتهم كفرا) أي يتركوا ما يجب للنعم من شكرها والقيام بحقها ، ويرتكبوا عدم الشكر ، وعدم القيام بحقها ، والمعنى يبدولون ما بهم من الحال إلى حال أسوأ منه ، فتغيرت نعمة إمهالهم بمعاجلة العذاب لهم. قوله : (وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ) أي لأقوالكم عليم بأحوالكم. قوله : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) إلخ ، كرر تفصيلا لما قبله ، لأنه مقام ذم وهو كالمدح ، البلاغة فيه الإطناب. قوله : (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي كقوم نوح وهود ، وقوم صالح وغيرهم. قوله : (فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) أي بسببها. قوله : (قومه معه) أشار بذلك إلى أن المراد بآل فرعون هو وآله.