(وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ) بإرادته وهو خبر بمعنى الأمر أي لتقاتلوا مثليكم وتثبتوا لهم (وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (٦٦) بعونه. ونزل لما أخذوا الفداء من أسرى بدر (ما كانَ لِنَبِيٍ
____________________________________
مرات : الأول والرابع بالياء لا غير ، والثاني والثالث والخامس بالياء والتاء ، كما سيا أتي للمفسر ، فيما سكت عنه فبالياء لا غير ، وما نبه عليه ففيه الوجهان.
قوله : (صابِرُونَ) أي محتسبون أجرهم عند الله ، وهذا خبر بمعنى الأمر ، لقلة المسلمين وكثرة الكافرين ، وحكمة ذلك : التكليف أن المسلمين وليهم الله ، فهم معتمدون عليه ، ومتوكلون عليه ، فبذلك الوصف كان الواحد مكلفا بقتال عشرة ، وأما الكفار فلا ناصر لهم ، وهم معتمدون على قوتهم ، وذلك داع للضعف والهزيمة ، وفي الآية من المحسنات البديعية الاحتباك ، وهو الحذف من كل نظير ما أثبت في الآخر ، فقد أثبت صابرون في الأول ، وحذف الذين كفروا منه ، وأثبت الذين كفروا في الثاني ، وحذف لفظ الصبر منه ، قوله : (وهذا خبر بمعنى الأمر) أي وقد كان هذا في صدر الإسلام ، وكان فرار المائة من الألف حراما ، ثم نسخ. قوله : (بضم الضاد وفتحها) أي فهما قراءتان سبعيتان ، والمراد الضعف في الأبدان ، لكثرة العبادة والتعب ، فرحمهمالله وأكرمهم ، وأيضا علم الله ضعف ما يا أتي بعد الصدر الأول عن القتال ، فخفف الله عن الجميع. قوله : (وهو خبر بمعنى الأمر) أي وقد استمر ذلك الأمر إلى يوم القيامة. قوله : (ونزل لما أخذوا الفداء من أسرى بدر) أي وكانوا سبعين من صناديدهم ، روي أنه لما جيء بالأسارى ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما تقولون في هؤلاء؟» فقال أبو بكر : يا رسول الله ، أهلك وقومك استبقهم لعل الله أن يتوب عليهم ، وخذ منهم فداء يكون لنا قوة على الكفار ، وقال عمر : يا رسول الله ، كذبوك وأخرجوك ، قدمهم نضرب أعناقهم ، مكن عليا من عقيل فيضرب عنقه ، ومكن حمزة من العباس يضرب عنقه ، فإن هؤلاء أئمة الكفر ، وقال ابن رواحة : انظر واديا كثير الحطب ، فأدخلهم فيه ثم أضرمه عليهم نارا فسكت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولم يجبهم ، ثم دخل ، فقال ناس يا أخذ بقول عمر ، وقال ناس يا أخذ بقول ابن رواحة ، ثم خرج رسول الله عليه الصلاة والسّلام فقال : «إن الله ليلين قلوب رجال ، حتى تكون ألين من اللبن ، ويشد قلوب رجال ، حتى تكون أشد من الحجارة ، وإن مثلك يا أبا بكر مثل ابراهيم. قال (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ومثل عيسى قال : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ومثلك يا عمر مثل نوح قال : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) ومثل موسى : قال (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ) الآية ، ثم قال رسول : اليوم أنتم عالة ، فلا يفلتن أحد منهم ، إلا بفداء أو ضرب عنقه» قال عمر بن الخطاب : فهوى رسول الله ما قاله أبو بكر ، ولم يهوه ما قلت ، وأخذ منهم الفداء وهو عن كل واحد عشرون أوقية من الذهب ، وقيل أربعون أوقية ، إلا العباس فأخذ منه ثمانون أوقية عن نفسه ، وعن ابني أخيه عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحرث ثمانون ، وأخذ منه وقت الحرب عشرون ، فجملة ما أخذ منه مائة وثمانون أوقية ، قال عمر : فلما كان من الغد جئت ، فإذا رسول الله وأبو بكر يبكيان ، قلت : يا رسول الله ، أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد تباكيت لبكائكما ، فقال رسول الله : ابكي للذي عرض لأصحابي من أخذهم الفداء ، فقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة منه صلىاللهعليهوسلم فنزلت الآية ، وهذا من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين ، فرسول الله