التوبة وهي سورة العذاب وروى البخاري عن البراء أنها آخر سورة نزلت. هذه (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) واصلة (إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (١) عهدا مطلقا أو دون أربعة أشهر أو فوقها ونقض العهد بما يذكر في قوله (فَسِيحُوا) سيروا آمنين أيها المشركون (فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) أولها شوال بدليل ما سيأتي ولا أمان لكم بعدها (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ) أي فائتي عذابه (وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ) (٢) مذلهم في الدنيا بالقتل والأخرى بالنار (وَأَذانٌ) إعلام (مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) يوم النحر (أَنَ) أي بأن (اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) وعهودهم (وَرَسُولِهِ) بريء أيضا وقد بعث النبي صلىاللهعليهوسلم عليا من السنة وهي ستة تسع
____________________________________
قوله : (إنها آخر سورة نزلت) أي من الآخر ، وإلا فالمائدة متأخرة عنها ، وهذه السورة نزلت كاملة ، لما ورد أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ما أنزل علي القرآن إلا آية آية ، وحرفا حرفا ، إلا سورة براءة وسورة قل هو الله أحد ، فإنهما نزلتا ومعهما سبعون الف صف من الملائكة». قوله : (بَراءَةٌ) أشار المفسر إلى أن قوله : (بَراءَةٌ) خبر لمحذوف قدره بقوله : (هذه). قوله : (إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ) متعلق بمحذوف صفة لبراءة قدره المفسر بقوله : (واصلة) والمعنى هذه قطع واصلة صادرة (مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) ، واصلة (إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ). قوله : (ونقض العهد) أي في الصورة الثلاثة.
قوله : (فَسِيحُوا) أمر إباحة للمشركين ، وهو مقول لقول محذوف ، والتقدير فقولوا لهم سيحوا ، وهذا بيان لعقد الأمان لهم أربعة أشهر ، وإنما اقتصر عليها لقوة الإسلام وكثرة المسلمين ، بخلاف صلح الحديبية ، فكان عشر سنين ، لضعف المسلمين إذ ذاك. قوله : (أولها شوال) أي آخرها المحرم ، وقيل : أولها عشر ذي القعدة ، وآخرها العاشر من ربيع الأول ، لأن الحج في تلك السنة كان في العاشر من ذي القعدة بسبب النسيء ، ثم صار في السنة القابلة في العاشر من ذي الحجة ، وفيها حج رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقال : «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلقه الله» الحديث ، وقيل : أولها عاشر ذي الحجة ، وآخرها عاشر ربيع الثاني. قوله : (بدليل ما سيأتي) أي في قوله : (فإذا انسلخ الأشهر الحرم).
قوله : (وَاعْلَمُوا) إلخ ، أي فلا تغتروا بعقد الأمان لكم. قوله : (وَأَذانٌ) معطوف على قوله : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) عطف مفصل على مجمل. قوله : (اعلام) أي فالمراد الأذان اللغوي لا الشرعي الذي هو الإعلام بألفاظ مخصوصة. قوله : (يوم النحر) إنما سمي يوم الحج الأكبر لأن معظم أفعال الحج يكون فيه ، كالطواف والرمي والنحر والحلق ، واحترز بالحج الأكبر عن العمرة ، فهي الحج الأصغر ، لأن أعمالها أقل من أعمال الحج ، لأنه يزيد عليها بأمور : كالرمي والمبيت والوقوف.
قوله : (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ) إلخ ، هذه الجملة خبر عن قوله : (وَأَذانٌ). وقوله : (يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) ظرف للأذان ، والمعنى وإعلام من الله ورسوله إلى الناس ، كائن في يوم الحج الأكبر ، بأن الله بريء إلخ. قوله : (وَرَسُولِهِ) القراءة السبعة بل العشرة ، على الرفع عطف على الضمير المستتر في بريء ، ووجد الفاصل وهو قوله : (مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ويصح أن يكون مبتدأ خبره محذوف تقديره وبريء منهم أيضا ، وقرىء شاذا بالنصب ، ووجهت بوجهين : الأول أن الواو بمعنى مع ، ورسوله مفعول معه ، الثاني أنه