مع رحبها أي سعتها فلم تجدوا مكانا تطمئنون إليه لشدة ما لحقكم من الخوف (ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) (٢٥) منهزمين وثبت النبي صلىاللهعليهوسلم على بغلته البيضاء وليس معه غير العباس وأبو سفيان آخذ بركابه (ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ) طمأنينته (عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) فردوا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم لما ناداهم العباس بإذنه وقاتلوا (وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها) ملائكة (وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالقتل والأسر (وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ) (٢٦) (ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ) منهم بالإسلام (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢٧) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) قذر لخبث باطنهم (فَلا
____________________________________
بذلك إلى أن الباء بمعنى مع ، والجملة حال أي متلبسة برحبها ، والرحب بالضم السعة ، وبالفتح الواسع. قوله : (وليس معه غير العباس) أي وقد كان آخذا بلجام بغلته. قوله : (وأبو سفيان) أي ابن الحرث بن عبد المطلب. وقد أسلم هو والعباس يوم الفتح ، وفي بعض السير : أن الذين ثبتوا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في حنين مائة وثلاثة وثلاثون من المهاجرين ، وستة وستون من الأنصار ، ويجمع بين ما قاله المفسر وغيره بأنه لم يبق متصلا بالبغلة إلا اثنان ، والباقون مشتغلون بالحرب لم يفروا. قوله : (فردوا) أي رجعوا جميعا كالفصيل الضال عن أمه إذا وجدها. قوله : (لما ناداهم العباس) أي وكان صيتا يسمع صوته من نحو ثمانية أميال.
قوله : (لَمْ تَرَوْها) قيل كانوا خمسة آلاف ، وقيل ستة عشر الفا ولم يقاتلوا ، بل نزلوا لتقوية قلوب المسلمين ، وروي عن رجل كان في المشركين يوم حنين قال : لما التقينا نحن وأصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم حنين ، لم يقوموا لنا حلب شاة ، فما القيناهم جعلنا نسوقهم في آثارهم ، حتى انتهينا إلى صاحب البغلة البيضاء ، فإذا هو رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال : فتلقانا عنده رجال بيض الوجوه حسان ، فقالوا لنا : شاهت الوجوه ارجعوا ، قال : فانهزمنا وركبوا أكتافنا ، وروي أن الملائكة الذين نزلوا يوم حنين ، عليهم عمائم حمر ، راكبين خيلا بلقا. قوله : (بالقتل) أي لبعضهم وهم أكثر من سبعين. قوله : (والأسر) أي للنساء والذراري وكانوا ستة الآف ، ولم تقع غنيمة أعظم منها ، فقد كان فيها من الإبل اثنا عشر الفا ، وقيل أربعة وعشرون ألفا ، ومن الغنم ما لا يحصى ، وكان فيها غير ذلك ، ولما هزمهم قصد إلى الطائف ، وأمر بجعل الغنائم في الجعرانة حتى يأتي إليهم ، فلما رجع صلىاللهعليهوسلم من الطائف ، انتظر هوازن بضعة عشر يوما ، ليقدموا عليه مسلمين ، ثم أخذ في قسمة الغنائم ، وكان في السبي اخت رسول الله من الرضاع ، وهي بنت حليمة السعدية ، فأطلقها رسول الله واكرمها وردها لقومها ، فأخبرتهم بما وقع لها من رسول الله من الإكرام ، فكان ذلك باعثا على إسلامهم ، أتى منهم جماعة وقالوا : يا رسول الله ، أنت خير الناس وأبرهم ، فاردد علينا أموالنا وأهلينا ، فقال لهم : أن خير القول أصدقه ، اختاروا إما أموالكم ، وإما ذراريكم ونساءكم ، قالوا : ما كنا نعدل بالأحساب شيئا ، فقال لهم : أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم ، وأما ما كان لغيرهم فسأطلب فيه معروفهم ، ثم قال لهم : إذا أنا صليت فتقدموا إلي وأخبروني بذلك ، ففعلوا كما أمروا ، فقال صلىاللهعليهوسلم : من طابت نفسه بشيء أن يرده فليفعل ، فقالوا : رضينا بذلك وسلموه الأموال والأسارى.
قوله : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) القراءة السبعية بفتحتين ، وفيه لغات أخر ككتف وعضد ، والمعنى