اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) أي حقيقة ما بينكم بالمودة وترك النزاع (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (١) حقا (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ) الكاملون الإيمان (الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ) أي وعيده (وَجِلَتْ) خافت (قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) تصديقا (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (٢) به يثقون لا بغيره (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) يأتون بها بحقوقها (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ) أعطيناهم (يُنْفِقُونَ) (٣) في طاعة الله (أُولئِكَ) الموصوفون بما ذكر (هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) صدقا بلا شك (لَهُمْ دَرَجاتٌ) منازل في الجنة (عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (٤) في الجنة (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ
________________________________
قوله : (فَاتَّقُوا اللهَ) أي امتثلوا أمره وأمر نبيه. قوله : (وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) أي الحالة وهي الوصلة الإسلامية ، فالمعنى اتركوا النزاع والشحناء ، والزموا المودة والمحبة بينكم ، ليحصل النصر والخير لكم. قوله : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) أي فيما يأمركم به. قوله : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) شرط حذف جوابه لدلالة ما قبله عليه. قوله : (حقا) أي كاملين في الإيمان ، فعلامة كمال الإيمان ، طاعة الله والرسول ، وعدم وجود الحرج في النفس ، قال تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً).
قوله : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ) استئناف مسوق لبيان صفات المؤمنين ، فهو كالدليل لما قبله. قوله : (الكاملون الإيمان) بالنصب على نزع الخافض ، أي فيه ، وفي بعض النسخ بحذف النون ، فيكون مضافا للإيمان. قوله : (الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ) وصل (الَّذِينَ) بثلاث صلات كلها متعلقة بالقلب. قوله : (وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) أي فزعت لاستيلاء هيبته على قلوبهم. قوله : (تصديقا) أشار بذلك إلى أن التصديق يقبل الزيادة ، إذ لا يصح أن يكون إيمان الأنبياء كإيمان الفساق ، وما قبل الزيادة قبل النقص ، وبذلك أخذ مالك والشافعي وجمهور أهل السنة. قوله : (به يثقون) أشار بذلك إلى أن (عَلى) بمعنى الباء ، و (يَتَوَكَّلُونَ) بمعنى يتقون ، وقوله : (لا بغيره) حصر أخذ من تقديم المعمول ، والمعنى أن ثقتهم بالله لا بغيره ، فلا يعتمدون على عمل ولا على مال ، ولا يخافون من غيره.
قوله : (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) أي يلازمونها في أوقاتها ، مستوفية الشروط والأركان والآداب. قوله : (يُنْفِقُونَ) أي النفقة الواجبة كالزكاة ، أو المندوبة كالصدقة. قوله : (حَقًّا) صفة لمصدر محذوف ، أي إيمانا حقا. قوله : (بلا شك) أي لظهور علامة الإيمان الكامل فيهم. قوله : (عِنْدَ رَبِّهِمْ) العندية عندية مكانة لا مكان. قوله : (وَمَغْفِرَةٌ) أي غفران لذنوبهم. قوله : (وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) أي دائم مستمر لا نكد فيه ولا تعب ، مقرون بالتعظيم والتكريم.
قوله : (كَما أَخْرَجَكَ) الكاف بمعنى مثل ، وما مصدرية خبر لمحذوف ، والتقدير قسم الغنائم عموما ، والحال أن بعض الصحابة كارهون لذلك ، مثل إخراجك من بيتك ، والحال أنهم كارهون لذلك ، فهو تشبيه حكم بحكم ، أو قصة بقصة ، وهذا أحسن الأعاريب ، ولذا درج عليه المفسر ، فالمشبه : قسم الغنائم عموما ، والمشبه به : الخروج لقتال ذي الشوكة ، بجامع أن كلا كان فيه كراهة لبعض المؤمنين ، بحسب الصورة الظاهرية ، وفي الواقع : ونفس الأمر خير ومصلحة للعموم في كل ، لأن الأول ترتب عليه إصلاح ذات البين ، والثاني ترتب عليه عز الإسلام ونصره.