يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) أي لا يدخلوا الحرم (بَعْدَ عامِهِمْ هذا) عام تسع من الهجرة (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً) فقرا بانقطاع تجارتهم عنكم (فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ) وقد أغناهم بالفتوح والجزية (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٢٨) (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) وإلا لآمنوا بالنبي صلىاللهعليهوسلم (وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ) كالخمر (وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِ) الثابت الناسخ
____________________________________
انهم نجس نجاسة معنوية لا حسية ، وقال ابن عباس : اعيانهم نجس كالكلاب والخنازير ، وقال الحسن : من صافح مشركا توضأ ، وأهل المذهب على خلاف ذلك ، فإنهم طاهرون لأنهم داخلون في آية (ولقد كرمنا بني آدم). قوله : (فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) إلخ ، قال العلماء : جملة بلاد الإسلام في حق الكفار ثلاثة أقسام ، احدها : الحرم فلا يجوز للكافر أن يدخله بحال ، وجوز أبو حنيفة دخول المعاهد ، الثاني : الحجاز فلا يجوز للكافر دخوله إلا بإذن ، ولا يقيم فيه أكثر من ثلاثة أيام ، لما في الحديث : «لا يبقين دينان في جزيرة العرب وحدها طولا من أقصى عدن إلى ريف العراق ، وعرضا من جدة وما والاها من ساحل البحر إلى أطراف الشام» الثالث : سائر بلاد الإسلام ، يجوز للكافر أن يقيم فيها بذمة أو أمان ، لكن لا يدخل المساجد إلا لغرض شرعي. قوله : (عام تسع) أي وهو عام نزول جملة السورة على الصحيح ، وما يوهم خلاف ذلك يجب تأويله.
قوله : (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً) إلخ ، سبب نزولها : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما أمر عليا أن يقرأ على المشركين أول براءة ، خاف أهل مكة الفقر وضيق العيش ، لامتناع المشركين من دخول الحرم واتجارهم فيه ، فذكروا ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزلت. قوله : (فقرا) في المصباح معيلة بالفتح الفقر ، وهي مصدر عال يعيل ، من باب سار ، فهو عائل ، والجمع عالة ، وفي المختار : وعيال الرجل من يعولهم ، وواحد العيال ، عيل كجيد ، والجمع عيائل كجيائد ، وأعال الرجل كثرت عياله. قوله : (وقد أغناهم بالفتوح) أي فأسلم أهل صنعاء وجدة وتبالة بفتح التاء ، وجرش بضم الجيم وفتح الراء بعدها شين معجمة ، قريتان من قرى اليمن وجلبوا إليهم الميرة ، وصاروا في أرغد عيش.
قوله : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) إلخ ، شروع في ذكر قتال أهل الكتابين ، أثر بيان قتال مشركي العرب ، وهذه الآية نزلت حين أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقتال الروم ، فلما نزلت توجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم لغزوة تبوك. قوله : (وإلا لآمنوا بالنبي) جواب عما يقال : إن ظاهر الآية يقتضي نفي إيمانهم بالله واليوم الآخر ، مع أنهم يزعمون الإيمان بالله واليوم الآخر ، وفي كلام المفسر إشارة بالقياس استثنائي وتقريره أن يقال : لو آمن اليهود والنصارى بالله واليوم الآخر ، لآمنوا بالنبي صلىاللهعليهوسلم ، لكنهم لم يؤمنوا بالنبي ، فلم يؤمنوا بالله ولا باليوم الآخر ، وأيضا دعواهم الإيمان بالله باطلة ، لأنهم يعتقدون التجسيم والتشبيه ، ولا شك في كونه كفرا ، وكذلك دعواهم الإيمان باليوم الآخر باطلة ، لأنهم يعتقدون بعثة الأرواح دون الأجساد ، وأن أهل الجنة لا يأكلون فيها ، ولا يشربون ، ولا ينكحون ، فتحصل أن كفرهم بهذه الأمور ، وتكذيبهم النبي ، ومن كذب نبيا ، فقد كفر بالله واليوم الآخر ، قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا) قوله : (كالخمر) أي والخنزير والربا وكل محرم في شرعنا ، فإنهم مخاطبون بفروع الشريعة ، ويعذبون عليها زيادة على عذاب الكفر.