يزيدون على تحريم أربعة ولا ينقصون ولا ينظرون إلى أعيانها (فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ) فظنوه حسنا (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) (٣٧) ونزل لما دعا صلىاللهعليهوسلم الناس إلى غزوة تبوك وكانوا في عسرة وشدة حر فشق عليهم (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ) بادغام التاء في الأصل في المثلثة واجتلاب همزة الوصل أي تباطأتم وملتم عن
____________________________________
للمفعول والمزين لهم الشيطان. قوله : (لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) أي لا يوصلهم للسعادة. قوله : (ونزل لما دعا) إلخ أي من هنا إلى قوله : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ) فهذه الآيات متعلقة بغزوة تبوك والمتخلفين عنها من المنافقين وغيرهم. قوله : (إلى غزوة تبوك) بالصرف على إرادة البقعة ، ومنع للعلمية والتأنيث ، وكانت في السنة التاسعة من الهجرة بعد رجوعه من الطائف ، وسبب توجهه لها أنه بلغ رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن هرقل جمع أهل الروم وأهل الشام ، وأنهم قدموا مقدماتهم إلى البلقاء ، وكان صلىاللهعليهوسلم قليلا ما يخرج في غزوة إلا ورى عنها بغيرها ، إلا ما كان من غزوة تبوك ، وذلك لبعد المسافة ، لأنها على طرف الشام ، بينها وبين المدينة أربع عشرة مرحلة ، فأمرهم بالجهاد ، وبعث إلى مكة وقبائل العرب ، وهي آخر غزاوته صلىاللهعليهوسلم ، وأنفق عثمان نفقة عظيمة ، فجهز عشرة آلاف ، وأنفق عليها عشرة آلاف دينار ، غير تسعمائة بغير ومائة فرس وما يتعلق بذلك ، وجاء أبو بكر بجميع ماله أربعة آلاف درهم ، وجاء عمر بنصف ماله ، وجاء ابن عوف بمائة أوقية ، وجاء العباس بمال كثير ، وكذا طلحة ، وبعثت النساء بكل ما يقدرن عليه من حليهن ، فلما تجهز رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالناس ، وهم ثلاثون الفا ، وقيل أربعون الفا ، وقيل سبعون الفا ، وكانت الخيل عشرة آلاف فرس ، وخلف على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري ، وقيل علي بن أبي طالب ، وتخلف عبد الله بن أبيّ ومن كان معه من المنافقين ، فبعد أن خرج بهم إلى ثنية الوداع متوجها إلى تبوك ، عقد الألوية والرايات ، فدفع لواءه الأعظم إلى أبي بكر ، ورايته العظمى للزبير ، وراية الأوس لأسيد بن حضير ، وراية الخزرج للحباب بن المنذر ، ودفع لكل بطن من الأنصار ، ومن قبائل العرب ، لواء وراية ، ولما نزلوا تبوك ، وجدوا عينها قليلة الماء ، فاغترف رسول الله صلىاللهعليهوسلم غرفة من مائها ، فمضمض بها فاه ثم بصقه فيها ، ففارت عينها حتى امتلأت وارتووهم وخيلهم وركابهم ، وأقام بتبوك بضع عشرة ليلة ، وقيل عشرين ليلة ، فأتاه يحنة ـ بضم التحتية وفتح الحاء المهملة والنون المشددة ثم تاء التأنيث ـ ابن رؤبة ـ بضم الراء فهمزة ساكنة فموحدة ـ صاحب أيلة ، وأهدى له بغلة بيضاء ، فكساه النبي رداء وصالحه على إعطاء الجزية ، بعد أن عرض عليه الإسلام فلم يسلم وكتب له ولأهل أيلة كتابا تركه عندهم ليعلموا ، وقد استشار صلىاللهعليهوسلم أصحابه في مجاوزة تبوك ، فأشاروا عليه بعدم مجاوزتها ، فانصرف وهو والمسلمون راجعين إلى المدينة ، ولما دنا من المدينة ، تلقاه المتخلفون ، فقال لأصحابه : لا تكلموا رجلا منهم ، ولا تجالسوهم ، حتى آذن لكم ، فصار الرجل يعرض عن أبيه وأخيه. قوله : (وكانوا في عسرة) أي قحط وضيق عيش ، حتى أن الرجلين ليجتمعان على التمرة الواحدة. قوله : (وشدة حر) أي حتى كانوا يشربون الفرث. قوله : (فشق عليهم) أي فتخلف عنهم عشرة قبائل ، ويقال لها غزوة العسرة الفاضحة ، لأنها اظهرت حال المنافقين.
قوله : (ما لَكُمْ) ما مبتدأ ، و (لَكُمْ) خبره ، و (اثَّاقَلْتُمْ) حال ، و (إِذا) ظرف لتلك الحال مقدم عليها ، والتقدير أي شيء ثبت لكم من الضرر حال كونكم متثاقلين وقت قول الرسول لكم انفروا إلخ. قوله : (بادغام التاء إلخ) أي فالأصل تثاقلتم ، أبدلت التاء ثاء وأدغمت فيها ، وأتى بهمزة الوصل