الجهاد (إِلَى الْأَرْضِ) والقعود فيها والاستفهام للتوبيخ (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا) ولذاتها (مِنَ الْآخِرَةِ) أي بدل نعيمها (فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي) جنب متاع (الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) (٣٨) حقير (إِلَّا) بادغام لا في نون إن الشرطية في الموضعين (تَنْفِرُوا) تخرجوا مع النبي صلىاللهعليهوسلم للجهاد (يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) مؤلما (وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) أي يأتي بهم بدلكم (وَلا تَضُرُّوهُ) أي الله أو النبي صلىاللهعليهوسلم (شَيْئاً) بترك نصره فإن الله ناصر دينه (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٣٩) ومنه نصر دينه ونبيه (إِلَّا تَنْصُرُوهُ) أي النبي صلىاللهعليهوسلم (فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ) حين (أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) من مكة أي ألجأوه إلى الخروج لما أرادوا قتله أو حبسه أو نفيه بدار الندوة (ثانِيَ اثْنَيْنِ) حال أي أحد اثنين والآخرة أبو بكر المعنى نصره الله في مثل تلك الحالة فلا يخذله في غيرها (إِذْ) بدل من إذ قبله (هُما فِي الْغارِ) نقب في جبل ثور بدل ثان (إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ) أبي بكر وقد قال له لما رأي أقدام المشركين لو نظر أحدهم تحت قدميه لأبصرنا (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) بنصره (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ) طمأنينته (عَلَيْهِ) قيل على النبي صلىاللهعليهوسلم وقيل على أبي بكر (وَأَيَّدَهُ) أي النبي صلىاللهعليهوسلم (بِجُنُودٍ
____________________________________
توصلا للنطق بالساكن. قوله : (وملتم) قدره إشارة إلى أنه ضمن اثاقلتم معنى ملتم فعداه بإلى.
قوله : (أَرَضِيتُمْ) الاستفهام للتوبيخ والتعجب. قوله : (حقير) أي لأن لذات الدنيا خسيسة مشوبة بالمكدرات والآفات سريعة الزوال ، بخلاف لذات الآخرة ، فهي شريفة منزهة عن الأقذار والأكدار ، باقية لا منتهى لها. قوله : (بإدغام لا في نون إن) العبارة فيها قلب ، والأصل بإدغام إن في لام لا. قوله : (في الموضعين) أي هذا وقوله : (إِلَّا تَنْصُرُوهُ). قوله : (يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) قيل : المراد في الآخرة ، وقيل المراد في الدنيا باحتباس المطر ، لما روي أنه سئل ابن عباس عن هذه الآية فقال : استنفر رسول الله صلىاللهعليهوسلم حيا من أحياء العرب فتثاقلوا ، فأمسك الله عنهم المطر ، فكان ذلك عذابهم. قوله : (وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) قيل المراد بهم أبناء فارس ، وقيل أهل اليمن. قوله : (ومنه نصر دينه) أي ولو من غير واسطة.
قوله : (إِلَّا تَنْصُرُوهُ) شرط حذف جوابه تقديره فسينصره الله ، وأما قوله : (فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ) فتعليل للجواب ، ولا يصلح أن يكون جوابا لأنه ماض ، وقوله : (إِذْ أَخْرَجَهُ) ظرف لقوله : (نَصَرَهُ) وهذا خطاب لمن تثاقل عن تلك الغزوة. قوله : (بدار الندوة) تقدم إيضاح ذلك في سورة الأنفال في قوله تعالى : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) إلخ. قوله : (حال) أي من الهاء في (أَخْرَجَهُ) والتقدير : إذ أخرجه الذين كفروا ، حال كونه منفردا عن جميع الناس إلا أبا بكر. قوله : (بدل من إذ قبله) أي بدل بعض من كل ، لأن الإخراج زمنه ممتد ، فيصدق على زمن استقرارهما في الغار ، وإلا فزمن الإخراج مباين لزمن حصولهما في الغار ، لأن بين الغار ومكة مسيرة ساعة.
قوله : (لا تَحْزَنْ) أي لا تهتم ، وكان حزن الصديق على رسول الله لا على نفسه ، ورد أنه قال له : إذا مت فأنا رجل واحد ، وإذا مت أنت ، هلكت الأمة والدين. قوله : (إِنَّ اللهَ مَعَنا) أي معية معنوية خاصة. قوله : (قيل على النبي) أي فيكون المراد ، زاده سكينة وطمأنينة حتى عمت أبا بكر ، وإلا