لَمْ تَرَوْها) ملائكة في الغار ومواطن قتاله (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي دعوة الشرك (السُّفْلى) المغلوبة (وَكَلِمَةُ اللهِ) أي كلمة الشهادة (هِيَ الْعُلْيا) الظاهرة الغالبة (وَاللهُ عَزِيزٌ) في ملكه (حَكِيمٌ) (٤٠) في صنعه (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً) نشاطا وغير نشاط وقيل أقوياء وضعفاء أو أغنياء وفقراء وهي منسوخة بآية ليس على الضعفاء (وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٤١) أنه خير لكم فلا تثاقلوا. ونزل في المنافقين الذين تخلفوا (لَوْ كانَ) ما دعوتهم إليه (عَرَضاً) متاعا من الدنيا (قَرِيباً) المأخذ (وَسَفَراً قاصِداً) وسطا (لَاتَّبَعُوكَ) طلبا للغنيمة (وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ) المسافة فتخلفوا (وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ) إذا رجعتم إليهم (لَوِ اسْتَطَعْنا) الخروج (لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ) بالحلف الكاذب (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (٤٢) في قولهم ذلك وكان صلىاللهعليهوسلم أذن لجماعة في التخلف باجتهاد
____________________________________
فرسول الله لم يسبق له انزعاج ، لمزيد ثقته بربه. قوله : (وقيل على أبي بكر) أي لأنه هو المنزعج. قوله : (ملائكة في الغار) أي يحرسونه من أعدائه. قوله : (ومواطن قتاله) الواو بمعنى أو ، لأنه تفسير ثان. قوله : (أي دعوة الشرك) أي دعوة أهل الشرك الناس إليه ، أو المراد عقيدة أهل الشرك. قوله : (وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا) القراء السبعة على الرفع مبتدأ ، وهي إما ضمير فصل ، أو مبتدأ ثان ، والعليا إما خبر عن كلمة ، أو عن الضمير ، والجملة خبر كلمة وقرىء شذوذا بالنصب ، معطوفا على مفعول (جَعَلَ).
قوله : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً) ذكر المفسر في معنى ذلك ثلاثة أقوال ، وهي من جملة أقوال كثيرة ذكرها المفسرون ، فقيل الخفيف الذي لا ضيعة له ، والثقيل الذي له الضيعة ، وقيل الخفيف الشاب ، والثقيل الشيخ ، وقيل غير ذلك فالمقصود تعميم الأحوال ، أي انفروا على أي حال كنتم عليه ، وهذا الحكم باق ، إذا تعين الجهال بأن فجأ العدو ، وأما في حال كونه فرض كفاءة ، فليس حكم العموم باقيا ، بل منسوخ إما بآية (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) أو بآية (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى) إلخ. قوله : (نشاطا) بكسر النون جمع نشيط ، ككرام وكريم. قوله : (وهي منسوخة) أي على القولين الأخيرين ، لا على الأول فهي محكمة. قوله : (أنه خير) مفعول (تَعْلَمُونَ). قوله : (فلا تثاقلوا) جواب الشرط. قوله : (في المنافقين) أي كعبد الله بن أبي وأضرابه. قوله : (متاعا من الدنيا) سمي عرضا لسرعة زواله كالعرض. قوله : (المسافة) أي التي تقطع بالمشقة ، فهي مشتقة من المشقة.
قوله : (وَسَيَحْلِفُونَ) هذا إخبار من الله بالغيب ، فإن هذه الآية نزلت قبل رجوعه من تبوك. قوله : (لَخَرَجْنا مَعَكُمْ) هذه الجملة سدت مسد جواب القسم والشرط. قوله : (يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ) هذا مرتب على قوله : (وَسَيَحْلِفُونَ) المعنى يزدادون بها هلاكا لأنهم هالكون بالكفر ، ويزيدون هلاكا باليمين الكاذبة ، لما في الحديث : «اليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع». قوله : (لجماعة) أي من المنافقين. قوله : (باجتهاد منه) هذا أحد قولين ، والآخر أنه لا يجتهد ، والحاصل أنه اختلف هل يجوز على النبي الاجتهاد في غير الأحكام التكليفية الصادرة من الله تعالى ، أو لا يجوز؟ والصحيح الأول ، ولكنه في اجتهاده دائما مصيب ، وعتاب الله له إنما هو على فعل أمر مباح له ، فهو من باب حسنات الأبرار ، سيئات المقربين ، لا على وزر فعله ، فاعتقاد ذلك كفر.