العذاب (وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ) أي مؤمنون (وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ) (٥٦) يخافون أن تفعلوا بهم كالمشركين فيحلفون تقية (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً) يلجؤون إليه (أَوْ مَغاراتٍ) سراديب (أَوْ مُدَّخَلاً) موضعا يدخلونه (لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ) (٥٧) يسرعون في دخوله والانصراف عنكم إسراعا لا يرده شيء كالفرس الجموح (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ) يعيبك (فِي) قسم (الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ) (٥٨) (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) من الغنائم ونحوها (وَقالُوا حَسْبُنَا) كافينا (اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ) من غنيمة أخرى ما يكفينا (إِنَّا إِلَى اللهِ راغِبُونَ) (٥٩) أن يغنينا وجواب لو : لكان خيرا لهم (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ) الزكوات مصروفة (لِلْفُقَراءِ) الذين لا يجدون ما يقع موقعا من كفايتهم
____________________________________
قوله : (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً) إلخ ، أي لو قدروا على الهروب منكم ، ولو في شر الأمكنة وأخسها لفعلوا لشدة بغضهم لكم ، والمعنى أنهم وإن كانوا يحلفون لكم أنهم منكم ، فهم كاذبون في ذلك ، لأنهم لو وجدوا مكانا يلجؤون إليه ، من رأس جبل أو قلعة أو جزيرة أو مغارات ، وهي الأماكن المنخفضة في الأرض أو في الجبل أو سراديب ، أي أماكن ضيقة لفروا إليها. قوله : (وَهُمْ يَجْمَحُونَ) في المصباح : جمع الفرس براكبه يجمح : استعصى حتى غلبه اه ، ففيه إشارة إلى أنهم كالدابة الجموح التي لا تقبل الإنقياد بوجه من الوجوه.
قوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ) هذا بيان لحال بعض المنافقين ، وقوله : (يَلْمِزُكَ) من باب ضرب واللمز الإشارة بعين ونحوها على سبيل التنقيص ، فهو أخص من الغمز ، إذ هو الإشارة بعين ونحوها مطلقا ، والمراد هنا الإعابة بالقول. قيل : نزلت في أبي الجواظ المنافق ، بفتح الجيم وتشديد الواو وبالظاء ، ومعناه الضخم المتكبر الكثير الكلام ، حيث قال : ألا ترون إلى صاحبكم يقسم صدقاتكم على رعاء الغنم ، ويزعم أنه يعدل. وقيل : نزلت في ذي الخويصرة التميمي ، وقيل اسمه حرقوص بن زهير ، وهو أصل الخوارج. قوله : (فِي الصَّدَقاتِ) المراد بها قيل الزكاة ، وقيل الغنائم ، وقيل ما هو أعم ، وهو الأولى بدليل ما يأتي للمفسر. قوله : (فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها) أي ما يريدون. قوله : (إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ) إذا فجائية قامت مقام الفاء ، والأصل فهم. قوله : (ما آتاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) نسبة الإعطاء لله حقيقة ، وللرسول مجازية ، وفيه إشارة إلى أن ما فعله الرسول ، إنما هو على طبق ما أمر الله به.
قوله : (وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ) أي (كافينا). قوله : (أن يغنينا) أي في أنه يغنينا ، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بفي متعلقة بيغنينا ، ويؤخذ من الآية تعليم العباد التعفف ، والاعتماد على الله تعالى ، وتفويض الأمور إليه ، فإن الأرزاق بيده تعالى متكفل بها ، لا يقطعها عن عباده ولو خالفوه.
قوله : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ) رد على المنافقين الذين يزعمون أن رسول الله يأخذ الصدقات لنفسه ولأهل بيته ، فبين في هذه الآية المستحقة لها الأصناف الثمانية ، ورسول الله وأهل بيته محرمة عليهم ، تشريفا لهم وتطهيرا ، والآية من قصر الموصوف على الصفة ، أي الصدقات مقصورة على الإتصاف ، بصرفها لهؤلاء الثمانية. قوله : (مصروفة) قدره ليتعلق به الجار والمجرور. قوله : (الذي لا يجدون ما يقع