الله ، وهم يوم القيامة (بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ) (٧٧) فيه. فجاء بعد ذلك إلى النبي صلىاللهعليهوسلم بزكاته فقال إن الله منعني أن أقبل منك فجعل يحثو التراب على رأسه ثم جاء بها إلى أبي بكر فلم يقبلها ثم إلى عمر فلم يقبلها ثم إلى عثمان فلم يقبلها ومات في زمانه (أَلَمْ يَعْلَمُوا) أي المنافقون (أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ) ما أسروه في أنفسهم (وَنَجْواهُمْ) ما تناجوا به بينهم (وَأَنَّ اللهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) (٧٨) ما غاب عن العيان. ولما نزلت آية الصدقة جاء رجل فتصدق بشيء كثير فقال المنافقون مراء وجاء رجل فتصدق بصاع فقالوا إن الله غني عن صدقة هذا فنزل (الَّذِينَ) مبتدأ (يَلْمِزُونَ) يعيبون (الْمُطَّوِّعِينَ) المتنفلين (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ) طاقتهم فيا أتون به (فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ) والخبر (سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ) جازاهم على
____________________________________
يَلْقَوْنَهُ) غاية لتمكن النفاق في قلوبهم ، وحكمة الجمع في هذه الضمائر ، مع أن سبب نزولها في شخص واحد ، الإشارة إلى أن حكم هذه الآية باق لكل من اتصف بهذا الوصف ، من أول الزمان لآخره ، وليس مخصوصا بثعلبة.
قوله : (بِما أَخْلَفُوا اللهَ) الباء سببية وما مصدرية ، والمعنى ذلك بسبب إخلافهم الله الوعد ، ورد : آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان. قوله : (فجاء بعد ذلك) أي غير تائب في الباطن ، وإنما ذلك خوفا من أن يحكم بردته ، فيقتل ويؤخذ ماله كله ، ففعله ذلك لأجل حفظ دمه وماله ، لا توبة من ذنبه ، وإلا لقبله الله. قوله : (يحثو التراب) أي يهيله على رأسه ، قوله : (ثم جاء إلى أبي بكر) أي في خلافته ، وكذا في خلافة عمر وعثمان. قوله : (أي المنافقون) أي لا بقيد كونهم الذين عاهدوا الله ، لأن آيتهم قد انقضت بقوله : (يَكْذِبُونَ). قوله : (ما أسروه) أي أخفوه. قوله : (ما غاب عن العيان) أي بالنسبة للعباد ، لا بالنسبة لله ، فإن الكل عنده عيان ، وليس شيء غائبا عن علمه سبحانه وتعالى. قوله : (جاء رجل) هو عبد الرحمن بن عوف ، جاء بأربعة آلاف درهم ، وقال كان لي ثمانية آلاف ، فأقرضت ربي أربعة ، فاجعلها يا رسول الله في سبيل الله ، وأمسكت لعيالي أربعة ، فقال له النبي : بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت ، فبورك له حتى صولحت إحدى زوجاته الأربع بعد وفاته عن ربع الثمن بثمانين ألفا ، وأعتق من الرقاب ثلاثين ألفا ، وأوصى بخمسين ألف دينار ، وبألف فرس في سبيل الله ، وأوصى لمن بقي من البدريين إذ ذاك ، وكان الباقي مائة أوصى لكل منهم بأربعمائة دينار ، وأوصى لأمهات المؤمنين بحديقة بيعت بأربعمائة ألف. قوله : (وجاء رجل فتصدق بصاع) أي وهو أبو عقيل الأنصاري ، جاء بصاع تمر وقال بتّ ليلتي أجر بالجرير ، أي الحبل الذي يستقى به الماء ، وكان أجيرا يسقي الزرع بالماء من البئر ، قال : وكانت أجرتي صاعين من تمر ، فتركت صاعا لعيالي وجئت بصاع ، فأمره النبي أن ينثره على الصدقات. قوله : (فقالوا إن الله غني) الخ ، أي وإنما أتى به تعريضا بفقره ليعطى من الصدقات.
قوله : (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ) مبتدأ خبره (سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ) وعطف على (الَّذِينَ) الأول وقوله : (فَيَسْخَرُونَ) عطف على قوله : (يَلْمِزُونَ). قوله : (الْمُطَّوِّعِينَ) أصله المتطوعين ، أبدلت التاء طاء ، ثم أدغمت في الطاء. قوله : (إِلَّا جُهْدَهُمْ) الجهد الشيء اليسير الذي يعيش به المقل.