سخريتهم (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٧٩) (اسْتَغْفِرْ) يا محمد (لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) تخيير له في الاستغفار وتركه قال صلىاللهعليهوسلم إني خيرت فاخترت يعني الاستغفار. رواه البخاري (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) قيل المراد بالسبعين المبالغة في كثرة الاستغفار وفي البخاري حديث «لو أعلم أني زدت على السبعين غفر لزدت عليها» وقيل المراد العدد المخصوص لحديثه أيضا «وسأزيد على السبعين» فبين له حسم المغفرة بآية سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (٨٠) (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ) عن تبوك (بِمَقْعَدِهِمْ) أي بقعودهم (خِلافَ) أي بعد (رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقالُوا) أي قال بعضهم لبعض (لا تَنْفِرُوا) تخرجوا إلى الجهاد (فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا) من تبوك فالأولى أن يتقوها بترك التخلف (لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ) (٨١) يعلمون ذلك ما تخلفوا (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً) في الدنيا (وَلْيَبْكُوا) في الآخرة (كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا
____________________________________
قوله : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ) إلخ خبر جيء به في صورة الأمر ، والمعنى استغفارك لهم وعدمه سواء. قوله : (قال : صلىاللهعليهوسلم) دليل على التخيير. قوله : (قيل المراد بالسبعين) إلخ ، هذا بناء على أن العدد لا مفهوم له. قوله : (غفر) جواب (لو) الثانية ، وقوله : (لزدت) جواب (لو) الأولى. قوله : (وقيل المراد) إلخ ، بناء على أن العدد له مفهوم. قوله : (لحديثه) أي البخاري. قوله : (حسم المغفرة) أي قطعها. قوله : (ذلِكَ) أي عدم المغفرة لهم. قوله : (بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا) الباء سببية ، وأن مصدرية ، والتقدير بسبب كفرهم. قوله : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) أي لا يوصلهم لما فيه رضاه.
قوله : (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ) جمع مخلف اسم مفعول ، والفاعل الكسل ، أي الذين خلفهم الكسل ، وكانوا اثني عشر. قوله : (أي بعد) أشار بذلك إلى أن (خِلافَ) ظرف زمان أو مكان ، ويصح أن يكون مصدرا بمعنى مخالفة ، والمعنى على الأول : فرحوا بقعودهم في خلاف رسول الله ، أي بعد سفره ، أو بمكانه الذي سافر منه ، وعلى الثاني : فرحوا بمخالفة رسول الله ، حيث اتصفوا بالقعود ، واتصف هو بالسفر. قوله : (وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا أَنْ) وما دخلت عليه في تأويل مصدر مفعول (كَرِهُوا) ، والمعنى كرهوا الجهاد ، لأن الإنسان بطبعه ينفر من إتلاف النفس والمال ، سيما من ينكر الآخرة.
قوله : (وَقالُوا) أي قال بعضهم لبعض. قوله : (لا تَنْفِرُوا) أي إلى تبوك ، لأنها كانت في شدة الحر والقحط. قوله : (أَشَدُّ حَرًّا) أي لأن حر الدنيا يزول ولا يبقى ، وحر جهنم دائم لا يفتر عنهم ، وهم فيه ملبسون ، فمن آثر الشهوات على ما يرضي مولاه ، كان مأواه جهنم ، ومن آثر رضا ربه على شهوته ، كان مأواه الجنة ، ولذا ورد «حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات». قوله : (ما تخلفوا) جواب (لَوْ). قوله : (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً) أي بالنسبة لبكاء الآخرة ، وإن كان في نفسه كثيرا.
قوله : (وَلْيَبْكُوا كَثِيراً) أي على ما فاتهم من النعيم الدائم ، ورد عن أنس بن مالك قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «يا أيها الناس ابكوا ، فإن لم تستطيعوا أن تبكوا فتباكوا ، فإن أهل النار يبكون في النار ، حتى تسيل دموعهم في وجوههم كأنها جداول ، حتى تنقطع الدموع فتسيل الدماء فتفرغ العيون ،