يَكْسِبُونَ) (٨٢) خبر عن حالهم بصيغة الأمر (فَإِنْ رَجَعَكَ) ردك (اللهُ) من تبوك (إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ) ممن تخلف بالمدينة من المنافقين (فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ) معك إلى غزوة أخرى (فَقُلْ) لهم (لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ) (٨٣) المتخلفين عن الغزو من النساء والصبيان وغيرهم. ولما صلى النبي صلىاللهعليهوسلم على ابن أبيّ نزل (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ) لدفن أو زيارة (إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ) (٨٤) كافرون (وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ) تخرج (أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ) (٨٥) (وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ) أي طائفة من
____________________________________
فلو أن سفنا أجريت فيها لجرت». قوله : (جَزاءً) إما مفعول لأجله ، أو مصدر منصوب بفعل مقدر تقديره يجزون جزاء. قوله : (خبر عن حالهم) أي العاجل والآجل ، وإنما جيء به على صورة الأمر ، إشارة إلى أنه لا يتخلف ، لأن الأمر المطاع ما لا يكاد يتخلف عنه المأمور.
قوله : (فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ) خطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم بعدم جمعهم معه في مشاهد الخير بعد ذلك ، ويؤخذ من ذلك ، أن أهل الفسوق والعصيان ، لا يرافقون ولا يشاورون. قوله : (ممن تخلف) بيان للضمير في منهم. قوله : (من المنافقين) بيان للطائفة. قوله : (أَوَّلَ مَرَّةٍ) أي وهو الخروج لغزوة تبوك قوله : (وغيرهم) أي كالمرضى. قوله : (على بن أبيّ) اسمه عبد الله ، وأبي اسم أبيه ، وسلول اسم أمه ، وكان رئيس الخزرج ، وكان له ولد مسلم صالح ، قد دعا النبي ليصلي عليه ، وسأله أن يكفنه في قميصه ففعل ، ويروى أن النبي صلىاللهعليهوسلم كلم فيما فعل بعبد الله بن أبي ، فقال صلىاللهعليهوسلم : وما يغني عنه قميصي وصلاتي من الله ، والله إني كنت أرجو أن يسلم به ألف من قومه ، ويروى أنه أسلم ألف من قومه لما رأوه يتبرك بقميص النبي صلىاللهعليهوسلم.
قوله : (مِنْهُمْ) صفة لأحد ، وكذا قوله : (ماتَ أَبَداً). قوله : (وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ) أي لا تتول دفنه. قوله : (إِنَّهُمْ كَفَرُوا) علة لما قبله ، ولما نزلت هذه الآية ، ما صلى على منافق ، ولا قام على قبره بعدها. قوله : (كافرون) أي وإنما عبر عنهم بالفسق ، إشارة إلى أن الكافر قد يكون عدلا في دينه ، بخلاف الفاسق ، فأفعاله خبيثة لا ترضي أحدا ، وليس له دين يقر عليه ، فعبر عنهم بالفسق ، بعد التعبير عنهم بالكفر ، إشارة إلى أنهم جمعوا بين الوصفين : الكفر وخسة الطبع.
قوله : (وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ) إلخ ، الحكمة في تكرارها ، المبالغة في التحذير من هذا الشيء الذي وقع الاهتمام به ، وعبر في الآية الأولى بالفاء ، وهنا بالواو ، لأن ما سبق له تعلق بما قبله ، فحسن العطف بخلاف ما هنا ، فلا تعلق له بما قبله ، وأتى بلا فيما تقدم ، وأسقط من هنا اعتناء بنفي الأولاد هناك ، وبيّن هنا أنهم سواء ، وأتى باللام في ليعذبهم هناك ، وبأن هنا ، إشارة إلى أن اللام بمعنى أن ، وليس للتعليل ، وأتى فيما تقدم بالحياة ، وهنا باسقاطها ، إشارة إلى خسة حياة الدنيا ، حيث لا تستحق أن تذكر ، وقال هناك كارهون ، وهنا كافرون ، إشارة إلى أنهم يعلمون كفرهم قبل موتهم ، ويشاهدون الأماكن التي أعدت لهم في نظيره ، فمن حيث تلك المشاهدة تزهق أرواحهم ، وهم كافرون كارهون ، بخلاف المؤمن ، فإنه يشهد مقعده في الجنة ، ولا تخرج روحه إلا وهو كاره للدنيا ، محب للآخرة.