نعته والخبر (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً) وهو جهادهم قبل ذلك أو اعترافهم بذنوبهم أو غير ذلك (وَآخَرَ سَيِّئاً) وهو تخلفهم (عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٠٢) نزلت في أبي لبابة وجماعة أوثقوا أنفسهم في سواري المسجد لما بلغهم ما نزل في المتخلفين وحلفوا لا يحلهم إلا النبي صلىاللهعليهوسلم فحلهم لما نزلت (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها) من ذنوبهم فأخذ ثلث
____________________________________
النفاق ، وقد تقدم ذكرهم في قوله : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ) إلى قوله : (عَظِيمٍ) ، وقسم تائبون ، اعترفوا بذنوبهم ، وبادروا بالعذر لرسول الله ، وقد ذكرهم في قوله : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا) إلى قوله : (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ، وقسم لم يبادروا بالعذر ، وقد ذكرهم الله بقوله : (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ) إلى قوله : (حَكِيمٌ). قوله : (اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ) أي أقروا بذنوبهم لربهم وتابوا منها ، وليس المراد اعترفوا للناس وهتكوا أنفسهم ، فإن ذلك أمر لا يجوز. قوله : (وهو جهادهم قبل ذلك) أي قبل هذا التخلف. قوله : (وَآخَرَ سَيِّئاً) الواو بمعنى الباء ، والمعنى أنهم جمعوا بين العمل الصالح ، والعمل السيىء. قوله : (وهو تخلفهم) أي من غير عذر واضح.
قوله : (عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) أي يقبل توبتهم ، والترجي في القرآن بمنزلة التحقيق ، لأن (عَسَى) ونحوها تفيد الأطماع ، ومن أطمع إنسانا في شيء ، ثم حرمه منه ، كان عارا عليه ، والله أكرم من أن يطمع أحدا في شيء ، ثم لا يعطيه إياه ، لأنه وعد ، وهو لا يتخلف ، وهذه الجملة مستأنفة ، ويصح أن تكون خبرا ، وجملة (خَلَطُوا) حالية وقد مقدرة. قوله : (نزلت في أبي لبابة) وهو رفاعة بن عبد المنذر ، كان من أهل الصفة ، ربط نفسه ثنتي عشرة ليلة ، في سلسلة ثقيلة ، وكانت له ابنة تحله للصلاة وقضاء الحاجة ، وتقدم في سورة الأنفال ، أنه أوثق نفسه مرة أخرى بسبب قريظة حتى نزلت توبته. قوله : (وجماعة) قيل عشرة ، وقيل ثمانية ، وقيل خمسة ، وقيل ثلاثة ، وقد كانوا تخلفوا عن تبوك ، ثم ندموا بعد ذلك ، فلما قدم رسول الله من المدينة ، حلفوا ليربطن أنفسهم بالسواري ، ولا يطلقونها حتى يكون رسول الله هو الذي يطلقها ، ففعلوا ، فلما رجع رسول الله رآهم ، فقال من هؤلاء؟ فقال له : هؤلاء تخلفوا عنك ، فعاهدوا الله أن لا يطلقوا أنفسهم حتى تطلقهم أنت ، وترضى عنهم ، فقال : وأنا أقسم بالله ، لا أطلقهم ولا أعذرهم ، حتى أؤمر بإطلاقهم ، فنزلت هذه الآية ، فعذرهم وأطلقهم. قوله : (ما نزل في المتخلفين) أي من الوعيد الشديد ، حيث قال الله فيهم (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ) لآية. قوله : (فحلهم لما نزلت) أي آية (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ).
قوله : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ) (من) للتبعيض والجار والمجرور حال من (صَدَقَةً) ووجد المسوغ وهو وصفها بقوله : (تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها) والمعنى خذ بعض الأموال التي خرجوا عنها لله ورسوله ، وذلك أنه لما نزلت فيهم الآية ، وحلهم رسول الله ، أتوا وقالوا : هذه أموالنا التي خلفتنا عنك ، خذها فتصدق بها وطهرنا واستغفر لنا ، فقال : ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا ، فنزلت (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ) الآية. قوله : (تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ) الأقرب أن التاء للخطاب ، وحذف قوله : (بِها) من الأول ، لدلالة الثاني عليه ، والمعنى خذ يا محمد بعض أموالهم صدقة ، حال كونك مطهرا لهم بها وتزكيهم بها ، ومعنى تزكيهم تنميهم وتزيدهم بسبب أخذها خيرا. قوله : (فأخذ ثلث أموالهم) أي كفارة لذنوبهم ، ويؤخذ من ذلك أن ما