يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ) بخلقه (حَكِيمٌ) (١٠٦) في صنعه بهم وهم الثلاثة الآتون بعد مرارة بن الربيع وكعب بن مالك وهلال بن أمية تخلفوا كسلا وميلا إلى الدعة لا نفاقا ولم يعتذروا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم كغيرهم فوقف أمرهم خمسين ليلة وهجرهم الناس حتى نزلت توبتهم بعد (وَ) منهم (الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً) وهم اثنا عشر من المنافقين (ضِراراً) مضارة لأهل مسجد قباء (وَكُفْراً) لأنهم بنوه بأمر أبي عامر الراهب ليكون معقلا له يقدم فيه من يأتي من عنده وكان ذهب
____________________________________
أبهم على المخاطبين أمرهم. قوله : (وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ) أي يقبل توبتهم. قوله : (حَكِيمٌ) (في صنعه) أي لا يسأل عما يفعل ، فلا يعترض على أحكامه سبحانه وتعالى. قوله : (وهم الثلاثة) أي وكانوا من أهل المدينة. قوله : (مرارة) بضم الميم. قوله : (إلى الدعة) أي الراحة والكسل. قوله : (ولم يعتذروا) أي لشدة ما نزل بهم من الحزن والأسف على ما فرطوا. قوله : (فوقف أمرهم خمسين ليلة) أي في نظير مدة التخلف ، لأنها كانت خمسين ليلة ، فلما تمتعوا بالراحة فيها ، مع تعب غيرهم في السفر ، عوقبوا بهجرهم تلك المدة.
قوله : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا) بالواو ودونها ، قراءتان سبعيتان ، والأحسن إعراب الاسم الموصول مبتدأ ، وعلى كل خبره محذوف قدره المفسر بقوله : (منهم) والواو إما للعطف على الجمل المتقدمة ، كقوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ) (ومنهم الذين يؤذون النبي) (ومنهم من عاهد الله) عطف قصة على قصة أو للاستئناف.
قوله : (ضِراراً) إما مفعول لأجله ، أو مفعول ثان لا تخذوا. قوله : (لأهل مسجد قباء) أشار بذلك إلى أن متعلق الضرار محذوف. قوله : (بأمر أبي عامر الراهب) أي وهو ولد حنظلة غسيل الملائكة. قوله : (معقلا له) أي ملجأ. قوله : (وكان ذهب) إلخ ، حاصل ذلك : أن أبا عامر قد ترهب في الجاهلية ، ولبس المسوح وتنصر ، فلما قدم النبي صلىاللهعليهوسلم المدينة ، قال أبو عامر : ما هذا الدين الذي جئت به؟ قال النبي صلىاللهعليهوسلم : جئت بالحنيفية دين إبراهيم ، قال أبو عامر : فأنا عليها ، قال له النبي : إنك لست عليها ، قال أبو عامر : بلى ، ولكنك أدخلت في الحنيفية ما ليس منها ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : ما فعلت ، ولكن جئت بها بيضاء نقية ، قال أبو عامر : أمات الله الكاذب منا طريدا غريبا وحيدا ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : آمين ، وسماه أبا عامر الفاسق ، فلما كان يوم أحد ، قال أبو عامر الفاسق للنبي : لا أجد قوما يقاتلونك إلا قاتلتك معهم ، فلم يزل كذلك إلى يوم حنين ، فلما انهزمت هوازن يئس أبو عامر ، فخرج هاربا إلى الشام ، فأرسل إلى المنافقين ، أن أعدوا ما استطعتم من قوة ومن سلاح ، وابنوا لي مسجدا ، فإني ذاهب إلى قيصر ملك الروم ، فآتي بجند من الروم ، فأخرج محمدا وأصحابه ، فبنوا مسجد الضرار إلى جنب مسجد قباء ، فلما فرغوا من بنائه ، أتوا رسول الله وهو يتجهز إلى تبوك فقالوا : يا رسول الله ، إنا قد بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة ، وإنا نحب أن تأتينا وتصلي لنا فيه وتدعو بالبركة ، فقال رسول الله : إني على جناح سفر ، ولو قدمنا إن شاء الله أتيناكم فصلينا فيه ، فلما انصرف صلىاللهعليهوسلم من تبوك راجعا ، نزل بذي أوان ، وهو موضع قريب من المدينة ، فأتاه المنافقون وسألوه أن يأتي مسجدهم ، فدعا بقميصه ليلبسه ويأتيهم ، فنزلت هذه الآية ، وأخبره جبريل خبر مسجد الضرار وما هموا به ، فدعا رسول الله مالك بن الدخشم ، ومعن بن عدي ، وعامر بن