(الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ) لأحكامه بالعمل بها (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (١١٢) بالجنة. ونزل في استغفاره صلىاللهعليهوسلم لعمه أبي طالب واستغفار بعض الصحابة لأبويه المشركين (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى) ذوي قرابة (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) (١١٣) النار بأن ماتوا على الكفر (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ) بقوله سأستغفر لك ربي رجاء أن يسلم (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ
____________________________________
القيامة ، الذين يحمدون الله على كل حال ، في السراء والضراء» أي بأن يكون عن الله راضيا في جميع الأحوال ، كالفقر والغنى والصحة والمرض ، وغير ذلك. قوله : (السَّائِحُونَ) من السياحة ، وهي في الأصل الذهاب في الأرض للعبادة ، سمي الصائمون بذلك ، لأن من شأن السائح ترك اللذات كلها ، من المطعم والمشرب والملبس والمنكح ، ولا شك أن الصائم كذلك ، والصيام عند العامة ترك ما سوى الله تعالى ، قال العارف الجيلي :
صيامي هو الإمساك عن رؤية السوى |
|
وفطري أني نحو وجهك راجع |
قوله : (أي المصلون) أشار بذلك إلى أنه أطلق الجزء وأراد الكل ، وخص الركوع والسجود بالذكر من دون أركانها ، لأن بهما التقرب إلى الله تعالى ، لما في الحديث : «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ، والركوع يلي السجود في التواضع والذل». قوله : (وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ) إنما عطف هذا بالواو على ما قبله ، لوجود المضادة بينهما ، لأن الأمر طلب الفعل ، والنهي طلب الترك.
قوله : (وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ) هذا أعم الأوصاف المتقدمة ، ولذا عطف بالواو ، وهذا معنى التقوى إذ هي امتثال المأمورات ، واجتناب المنهيات ، ولذا حكى السري السقطي ، سأل ابن أخته الجنيد عن التقوى وهو صغير فقال له : أن لا يراك حيث نهاك ، وأن لا يفقدك حيث أمرك ، فقال له : أخاف أن يكون حظك من الله لسانك. قوله : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) إظهار في مقام الإضمار ، اعتناء بهم ، وتشريفا لقدرهم ، وحذف المبشر به ، إشار إلى أنه لا يدخل تحت حصر ، بل لهم ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر. قوله : (لعمه أبي طالب) أي لأنه صلىاللهعليهوسلم قال لأبي طالب حين حضرته الوفاة : يا عم ، قل كلمة أحاج لك بها عند الله ، فإني لا أزال أستغفر لك ما لم أنه عن الاستغفار فنزلت ، وقصد النبي بهذا الاستغفار ، وتأليفه للإسلام لعلة يهتدي ، وإلا فرسول الله يعلم أن الله لا يغفر أن يشرك به.
قوله : (ما كانَ لِلنَّبِيِ) أي لا ينبغي ولا يصح. قوله : (بأن ماتوا على الكفر) أي فلا يجوز لهم الاستغفار حينئذ ، وأما الإستغفار للكافر الحي ففيه تفصيل ، فإن كان قصده بذلك الاستغفار هدايته للإسلام جاز ، وإن كان قصده أن تغفر ذنوبه مع بقائه على الكفر ، فلا يجوز. قوله : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ) إلخ. هذه الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا واقعا في جواب سؤال مقدر ، تقديره إن شرعنا هو بعينه شرع إبراهيم وقد استغفر ابراهيم لأبيه. فأجاب الله عن ابراهيم بما ذكر. قوله : (لِأَبِيهِ) تقدم الخلاف في كونه أباه أو عمه ، وإنما سمي أبا ، لأن عادة العرب تسمي العم أبا والقرآن نزل بلغة العرب. قوله :