الحر حتى شربوا الفرث (مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ) بالتاء والياء تميل (قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ) عن اتباعه إلى التخلف لما هم فيه من الشدة (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ) بالثبات (إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (١١٧) (وَ) تاب (عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا) عن التوبة عليهم بقرينة (حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما
____________________________________
عسرة في المركب والزاد والماء ، فكان العشرة منهم يخرجون على بعير واحد يعتقبونه. وكان زادهم التمر المسوس والشعير المتغير ، وكان تمرهم يسيرا جدا حتى إن أحدهم إذا جهده الجوع ، يا أخذ التمرة فيلوكها حتى يجد طعمها ، ثم يعطيها لصاحبه ، حتى تأتي على آخرهم ولا يبقى إلا النواة ، وكانوا من شدة الحر والعطش ، يشربون الفرث ، ويجعلون ما يبقى على كبدهم. قال أبو بكر : يا رسول الله ، إن الله قد وعدك خيرا ، فادع الله ، قال أتحب ذلك؟ قال : نعم ، فرفع رسول الله يديه ، فلم يرجعا حتى قالت السماء فأظلت ثم سكبت ، فملؤوا ما معهم من الأوعية ، ثم ذهبنا ننظرها ، فلم نجدها جاوزت العسكر. قوله : (مِنْ بَعْدِ ما كادَ) هذا بيان لبلوغ الشدة حدها حتى إن بعضهم أشرف على الميل إلى التخلف ، واسم (كادَ) ضمير الشأن ، وجملة (يَزِيغُ) في محل نصب خبرها. قوله : (بالتاء والياء) أي فهما قراءتان سبعيتان.
قوله : (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ) ذكر التوبة أولا قبل الذنب ، تفضلا منه وتطييبا لقلوبهم ، ثم ذكرها بعده تعظيما لشأنهم ، وتأكيدا لقبول توبتهم. قوله : (إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) هذا تأكيد لما تقدم والرؤوف الرفيق بعباده ، اللطيف بهم ، والرحيم : المحسن المتفضل. قوله : (وَعَلَى الثَّلاثَةِ) إشارة إلى معطوف على قوله : (عَلَى النَّبِيِ) ويصح عطفه على الضمير في قوله : (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ) وهو الأقرب لإعادة الجار. قال ابن مالك :
وعود خافض لدى عطف على |
|
ضمير خفض لازما قد جعلا |
وإن كان يمكن أن يقال ، إنما أعاده تأكيدا. قوله : (عَلَى الثَّلاثَةِ) إنما لم يسمهم الله ، لكونهم معلومين بين الصحابة ، والتوبة هنا على حقيقتها ، بمعنى أنه قبل عذرهم وسامحهم ، وغفر لهم ما سلف منهم ، وأما التوبة فيما تقدم ، فمستعملة في مجازها بمعنى دوام العصمة للنبي ، والحفظ للمهاجرين والأنصار ، ففي الآية استعمال التوبة في حقيقتها ومجازها. قوله : (عن التوبة عليهم) أي عن قبولها من الله ، وسبب تأخير القبول من الله ، عدم إظهار توبتهم ، كما فعل أبو لبابة ، وقيل : المراد خلفوا عن الغزو ، ولم يخرجوا مع رسول الله ، وفي صحيح البخاري ما نصه :
باب حديث كعب بن مالك وقول الله عزوجل (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا)
حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب ابن مالك أن عبد الله بن كعب بن مالك ، وكان يقود كعبا حين عمي قال : سمعت كعب بن مالك يحدث حين تخلف عن قصة تبوك ، قال كعب : لم أتخلف عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك ، وكان من خبري ، أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في تلك الغزوة ، وغزا رسول الله صلىاللهعليهوسلم تلك الغزوة ، حين طابت الثمار والظلال ، وهممت أن ارتحل فأدركهم وليتني فعلت ، فلم يقدر لي ذلك ، ولم يذكرني رسول الله حتى بلغ تبوك فقال وهو جالس في القوم بتبوك : ما فعل كعب بن مالك؟ فقال رجل من بين سلمة : يا رسول الله ، حبسه براده ونظره في عطفيه ، فقال معاذ بن جبل : بئس