____________________________________
ما قلت ، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا ، فسكت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال كعب بن مالك ، فلما بلغني أنه توجه قافلا ، حضرني همي ، فطفقت أتذكر الكذب وأهيئه لأعتذر به وأقول بماذا أخرج من سخطه غدا ، واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي ، فلما قيل : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد أظل قادما ، أي قرب قدومه ، انزاح عني الباطل ، وعرفت أني لن أخرج منه أبدا بشيء فيه كذب ، فأجمعت الصدق ، وأصبح رسول الله صلىاللهعليهوسلم قادما ، وكان إذا قدم من سفر ، بدأ بالمسجد ، فيركع فيه ركعتين ، ثم جلس للناس ، فلما فعل ذلك ، جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له ، وكانوا بضعة وثمانين رجلا ، فقبل رسول الله منهم علانيتهم ، وبايعهم واستغفر لهم ، ووكل سرائرهم إلى الله ، فجئته ، فلما سلمت عليه ، تبسم تبسم المغضب ثم قال : تعالى فجئت أمشي حتى جلست بين يديه ، فقال لي : ما خلفك ألم تكن قد ابتعت مركوبك؟ فقلت : بل إني والله يا رسول الله ، لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا ، لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر ، ولقد أعطيت جدلا ، أي فصاحة ، ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ، ليوشكن الله أن يسخطك علي ، ولئن حدثتك حديث صدق تجد ، أي تغضب علي فيه ، إني لأرجو فيه عفو الله لا والله ما كان لي عذر ، ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أما هذا فقد صدق ، فقم حتى يقضي الله فيك ، فقمت ، وبادر رجال من بني سلمة فاتبعوني ، فقالوا لي : والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا ، ولقد عجزت أن تكون اعتذرت إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بما اعتذر إليه المخلفون ، قد كان كافيك من ذنبك استغفار رسول الله صلىاللهعليهوسلم لك ، فو الله ما زالوا يلومونني لوما عنيفا ، حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي ، ثم قلت لهم : هل لقي هذا معي أحد؟ قالوا : نعم رجلان ، قالا مثل ما قلت ، فقيل لهما مثل ما قيل لك ، فقلت : من هما؟ قالوا : مرارة بن الربيع المعمري ، وهلال بن أمية الواقفي ، فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا ، لي فيهما أسوة ، فمضيت حين ذكروهما لي ، ونهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم الناس عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه ، فاجتنبنا الناس ، فتغيروا لنا حتى تنكرت في نفسي الأرض ، فما هي التي أعرف ، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة ، فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان ، وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم ، وكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين ، وأطوف في الأسواق ، ولا يكلمني أحد ، وآتي رسول الله فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي : هل حرك شفتيه برد السّلام عليّ أم لا؟ ثم أصلي قريبا منه فاسارقه النظر ، فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إلي ، فإذا التفت نحوه ، أعرض عني ، حتى إذا طال عليّ ذلك من جفوة الناس ، مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة ، وهو ابن عمي وأحب الناس إليّ ، فسلمت عليه ، فو الله ما رد علي السّلام ، فقلت : يا أبا قتادة أنشدك بالله ، هل تعلمني أحب الله ورسوله ، فسكت ، فعدت له فنشدته ، فسكت ، فقال : الله ورسوله أعلم ، ففاضت عيناي وتوليت حتى تسورت الجدار ، حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين ، إذا رسول رسول الله صلىاللهعليهوسلم يا أتيني فقال : إن رسول الله يا أمرك أن تعتزل امرأتك ، فقلت : أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال : بل اعتزلها ولا تقربها ، وأرسل إلى صاحبي مثل ذلك ، فقلت لامرأتي : الحقي بأهلك فكوني عندهم ، حتى يقضي الله في هذا الأمر ، فلبثت بعد ذلك عشر ليال ، حتى كملت بفتح الميم لنا خمسون ليلة ، من حين نهى رسول الله عن كلامنا ، فلما صليت صلاة الفجر ، صبح خمسين ليلة ، وأنا على ظهر بيت من بيوتنا ، فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله ، قد ضاقت عليّ نفسي ، وضاقت عليّ الأرض بما رحبت ، سمعت صوت صارخ أوفى على جبل سلع بأعلى