الخبر (ذلِكَ) أي النهي عن التخلف (بِأَنَّهُمْ) بسبب أنهم (لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ) عطش (وَلا نَصَبٌ) تعب (وَلا مَخْمَصَةٌ) جوع (فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً) مصدر بمعنى وطأ (يَغِيظُ) يغضب (الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ) لله (نَيْلاً) قتلا أو أسرا أو نهبا (إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ) ليجازوا عليه (إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (١٢٠) أي أجرهم بل يثيبهم (وَلا يُنْفِقُونَ) فيه (نَفَقَةً صَغِيرَةً) ولو تمرة (وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً) بالسير (إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ) ذلك (لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٢١) أي جزاءه. ولما وبخوا على التخلف وأرسل النبي صلىاللهعليهوسلم سرية نفروا جميعا فنزل (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا) إلى الغزو (كَافَّةً فَلَوْ لا) فهلا (نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ) قبيلة (مِنْهُمْ طائِفَةٌ) جماعة ومكث الباقون (لِيَتَفَقَّهُوا) أي الماكثون (فِي الدِّينِ
____________________________________
أمروا بأن يصحبوه على البأساء والضراء ، وأن يكابدوا معه الأهوال برغبة ونشاط ، وأن يتلقوا الشدائد معه صلىاللهعليهوسلم ، علما بأنه أعز نفس وأكرمها عند الله ، فإذا تعرضت مع عزتها وكرامتها للخوض في شدة وهول ، وجب على سائر الأنفس أن تتعرض مثلها. قوله : (وهو نهي بلفظ الخبر) أي ما ذكر من قوله : (ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ) إلخ ، أي فكأنه قيل لا يتخلف واحد منهم. قوله : (ظَمَأٌ) أي ولو يسيرا ، وكذا يقال فيما بعده.
قوله : (وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً) أي لا يدوسون بأرجلهم ، وحوافر خيولهم ، وأخفاف رواحلهم دوسا. قوله : (يَغِيظُ) بفتح الياء باتفاق السبعة ، وإن كان يجوز في اللغة ضمها. قوله : (وَلا يَنالُونَ) أي يصيبون. قوله : (قتلا أو أسرا أو نهبا) أمثلة للنيل بسبب جعله مصدرا ، ويصح أن يكون بمعنى الشيء المنال ، أي المأخوذ. قوله : (إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ) أي بكل واحد من الأمور الخمسة. قوله : (أي أجرهم) غرضة بهذا ، أن المقام للإضمار والعدول عنه لأجل مدحهم ، وليفيد العموم ، وعدم الخصوصية للمخاطبين ، بل هذا الفضل العظيم باق ومستمر إلى يوم القيامة. قوله : (وادِياً) المراد به هنا مطلق الأرض ، وإن كان في الأصل ، المكان المنفرج بين الجبال ، قوله : (ذلك) أي ما ذكر من كل من النفقة وقطع الوادي. قوله : (أي جزاؤه) يصير بهذا إلى تقدير مضاف ، أي جزاء أحسن ما كانوا إلخ. قوله : (ولما وبخوا على التخلف) إلخ ، أي سبب نزولها : أنه لما وبخهم الله على التخلف ، وظهرت فضيحة المنافقين ، وتاب الله على من تاب ، أجمع رأيهم وحلفوا أنهم لا يتخلفون عن رسول الله ، ولا عن سرية بعثها ، فلما رجعوا من تبوك ، وبعث السرايا ، تهيأ المسلمون جميعا إلى الغزو. قوله : (سرية) قيل هي اسم لما زاد على المائة إلى الخمسمائة ، وما زاد عليها إلى ثمانمائة يقال له منسر ، وما زاد عليها إلى أربعة آلاف يقال له جيش ، وما زاد عليها يقال له جحفل ، وجملة سراياه التي أرسلها رسول الله ولم يخرج معها سبعة وأربعون ، وغزواته التي خرج فيها بنفسه ، سبعة وعشرون ، قاتل في ثمانية منها فقط.
قوله : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ) أي لا ينبغي ، ولا يجوز لهم أن ينفروا جميعا ، بل يجب عليهم أن ينقسموا قسمين ، طائفة تكون مع رسول الله لتلقي الوحي ، وطائفة تخرج للجهاد. قوله : (فهلا) أشار بذلك إلى أن (فَلَوْ لا) للتحضيض. قوله : (ومكث الباقون) قدره إشارة إلى أن قوله : (لِيَتَفَقَّهُوا) الخ ،