وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ) من الغزو بتعليمهم ما تعلموه من الأحكام (لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (١٢٢) عقاب الله بامتثال أمره ونهيه ، قال ابن عباس : فهذه مخصوصة بالسرايا والتي قبلها بالنهي عن تخلف واحد فيما إذا خرج النبي صلىاللهعليهوسلم (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ) أي الأقرب فالأقرب منهم (وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) شدة أي أغلظوا عليهم (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (١٢٣) بالعون والنصر (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ) من القرآن (فَمِنْهُمْ) أي المنافقين (مَنْ يَقُولُ) لأصحابه استهزاء (أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً) تصديقا. قال تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً) لتصديقهم بها (وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (١٢٤) يفرحون بها (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ضعف اعتقاد (فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) كفرا إلى كفرهم لكفرهم بها (وَماتُوا وَهُمْ
____________________________________
علة لمحذوف ، ولا يصح أن يكون علة لقوله : (نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) قوله : (وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ) عطف على قوله : (لِيَتَفَقَّهُوا) فيه إشارة إلى أنه ينبغي لطالب العلم تحسين مقصده ، بأن يقصد بطلبه العلم تعليم غيره ، واتعاظه هو في نفسه ، لا الكبر على العباد ، والتشدق بالكلام. قوله : (إِذا رَجَعُوا) أي من كان في الغزو ، قوله : (إِلَيْهِمْ) أي إلى من مكث ليتفقه في الدين. قوله : (قال ابن عباس) إلخ ، المقصود من ذلك ، دفع التعارض بين هذه الآية وما قبلها. قوله : (مخصوصة بالسرايا) أي وهي التي أرسلها ولم يخرج معها. قوله : (فيما إذا خرج النبي) أي لأنه لا عذر ، حينئذ لمن يتخلف ، لأن صاحب الشريعة الذي يتعلمونها منه مصاحب لهم.
قوله : (قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ) ليست هذه الآية ناسخة لآية : (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) على التحقيق ، بل هذه الآية تعليم لآداب الحرب ، وهو أن يبدأوا بقتال الأقرب فالأقرب ، حتى يصلوا إلى الأبعد ، فبهذا يتمكنون من قتالهم كافة ، لأن قتلهم دفعة واحدة لا يتصور ، ولذا قاتل رسول الله أولا قومه ، ثم انتقل إلى سائر العرب ، ثم إلى قتال أهل الكتاب ، ثم إلى قتال أهل الروم والشام ، ثم بعد وفاته صلىاللهعليهوسلم انتقل أصحابه إلى قتال العراق ، ثم بعد ذلك إلى سائر الأمصار. قوله : (يَلُونَكُمْ) من الولي وهو الأقرب ، وفي فعله لغتان : وليه يليه وهو الأكثر ، والثانية من باب وعد ، والآية منها وهي قليلة الاستعمال ، فأصله يوليون ، حذفت الواو لوقوعها بين عدوتيها ، ثم نقلت ضمة الياء إلى اللام بعد سلب حركتها ، فالتقى ساكنان ، حذفت الياء لالتقائهما. قوله : (شدة) أي صبرا وتحملا. قوله : (أي أغلظوا عليهم) أشار بذلك إلى أن في الآية استعمال السبب في المسبب ، لأن وجدان الكفار الغلظة ، مسبب عن إغلاظ المسلمين عليهم.
قوله : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ) المعنى إذا نزلت سورة من القرآن ، والحال أن المنافقين ليسوا حاضرين وقت النزول ، وليس فيها فضيحة ، وأما ما يأتي فيحمل على ما إذا كانوا حاضرين ذلك ، والحال أن فيها بيان أحوالهم ، فلا تنافي بين المحلين كما يأتي. قوله : (لأصحابه) أي أو لضعفاء المؤمنين. قوله : (يفرحون بها) أي لأنه كلما نزل شيء من القرآن ، ازدادوا إيمانا ، وهذا الحكم باق إلى الآن ، فمن يفرح بكلام الله وبحامليه ، فهو من المؤمنين الصادقين ، ومن ينفر من سماعه ومن حامليه ، فهو إما كافر أو قريب من الكفر. قوله : (كفرا إلى كفرهم) أشار بذلك إلى أنه ضمن الزيادة معنى الضم ، والمعنى زادتهم كفرا