كافِرُونَ) (١٢٥) (أَوَلا يَرَوْنَ) بالياء أي المنافقون والتاء أيها المؤمنون (أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ) يبتلون (فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ) بالقحط والأمراض (ثُمَّ لا يَتُوبُونَ) من نفاقهم (وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ) (١٢٦) يتعظون (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ) فيها ذكرهم وقرأها النبي صلىاللهعليهوسلم (نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ) يريدون الهرب يقولون (هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ) إذا قمتم فإن لم يرهم أحد قاموا وإلا ثبتوا (ثُمَّ انْصَرَفُوا) على كفرهم (صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) عن الهدى (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) (١٢٧) الحق لعدم تدبرهم (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) أي منكم محمد صلىاللهعليهوسلم (عَزِيزٌ) شديد (عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ) أي عنتكم مشقتكم ولقاؤكم المكروه (حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ) أن تهتدوا (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ) شديد الرحمة
____________________________________
مضموما إلى كفرهم ، لأن كفرهم يزيد بزيادة جحدهم المنزل ، وسمي الكفر رجسا ، لكونه أقبح الأشياء ، والرجس هو الشيء المستقذر. قوله : (بالياء) أي فالاستفهام حينئذ للتوبيخ ، قوله : (والتاء) أي فالاستفهام للتعجب ، لأن الخطاب حينئذ للصحابة.
قوله : (ثُمَّ لا يَتُوبُونَ) أي لا يرجعون عما هم عليه. قوله : (فيها ذكرهم) أي بيان أحوالهم قوله : (نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ) أي يتغامزون بالعيون. قوله : (يريدون الهروب) أي خوفا من الفضيحة التي تحصل لهم. قوله : (ويقولون) أشار بذلك إلى أن قوله : (هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ) مقول لقول محذوف. قوله : (ثُمَّ انْصَرَفُوا) (على كفرهم) عبارته تفيد أن قوله : (ثُمَّ انْصَرَفُوا) ليس مرتبا على كونهم (لم يرهم أحد) وليس كذلك ، فكان المناسب أن يقول : (قاموا) وهو بمعنى (ثُمَّ انْصَرَفُوا). قوله : (صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) إخبار أو دعاء. قوله : (لا يَفْقَهُونَ) (الحق) أي لا يفهمونه.
قوله : (لَقَدْ جاءَكُمْ) اللام موطئة لقسم محذوف ، أي وعزتي وجلالي (لَقَدْ جاءَكُمْ) إلخ. قوله : (مِنْ أَنْفُسِكُمْ) خطاب للعرب ، قال ابن عباس : ليس قبيلة من العرب إلا وقد ولدت النبي صلىاللهعليهوسلم وله فيها نسب ، و (أَنْفُسِكُمْ) بضم الفاء باتفاق السبعة ، وقرىء (مِنْ أَنْفُسِكُمْ) بفتح الفاء من النفاسة ، والمعنى جاءكم رسول من أشرفكم وأرفعكم قدرا ، لما في الحديث : «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشا من كنانة ، واصطفى بين هاشم من قريش ، واصطفاني من بني هاشم ، فأنا خيار من خيار من خيار».
قوله : (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ) يصح أن يكون (عَزِيزٌ) صفة لرسول ، و (ما) مصدرية أو بمعنى الذي ، والمعنى يعز عليه عنتكم أو الذي عنتموه ، ويصح أن يكون (عَزِيزٌ) خبرا مقدما ، و (ما عَنِتُّمْ) مبتدأ مؤخرا. قوله : (حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ) أي يحافظ على هداكم ، لتكون لكم السعادة الكاملة. قوله : (أن تهتدوا) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف ، أي (حريص على هدايتكم). قوله : (رَؤُفٌ) بالمد والقصر ، قراءتان سبعيتان ، والرؤوف أخص من الرحيم ، قال الحسن بن المفضل : لم يجمع الله لأحد من أنبيائه اسمين من أسمائه تعالى ، إلا للنبي صلىاللهعليهوسلم ، فسماه رؤوفا رحيما ، وقال : (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ).