(أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (٣) بادغام التاء في الأصل في الذال (إِلَيْهِ) تعالى (مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقًّا) مصدران منصوبان بفعلهما المقدر (إِنَّهُ) بالكسر استئنافا والفتح على تقدير اللام (يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) أي بدأه بالإنشاء (ثُمَّ يُعِيدُهُ) بالبعث (لِيَجْزِيَ) يثيب (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ) ماء بالغ نهاية الحرارة (وَعَذابٌ أَلِيمٌ) مؤلم (بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) (٤) أي بسبب كفرهم (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً) ذات ضياء أي نور (وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ) من حيث سيره (مَنازِلَ) ثمانية وعشرون منزلا في ثمان وعشرين ليلة من كل شهر ويستتر ليلتين إن كان الشهر ثلاثين يوما أو ليلة إن كان تسعة وعشرين يوما (لِتَعْلَمُوا) بذلك (عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ) المذكور (إِلَّا بِالْحَقِ) لا عبثا ،
____________________________________
خالقكم ومربيكم. قوله : (بإدغام التاء في الأصل) أي فأصله تتذكرون ، قلبت التاء ذالا ، وأدغمت في الذال. قوله : (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) رد على منكري البعث قالوا : ما هي إلا حياتنا الدنيا ، نموت ونحيا ، وما يهلكنا إلا الدهر. قوله : (بفعلهما المقدر) أي وعدكم وعدا ، وحقه حقا. قوله : (بالكسر) أي وهي القراءة السبعية. قوله : (والفتح) أي وهي شاذة ، فكان عليه أن ينبه عليها. قوله : (بِالْقِسْطِ) أي العدل المصحوب بالفضل ، أو المراد بالقسط : عدل العبيد ، بامتثالهم المأمورات ، واجتنابهم المنهيات ، فتكون الباء سببية.
قوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) غاير الأسلوب ، إشارة إلى أنهم مستحقون العذاب بسبب أعمالهم ، وأما المؤمنون فثوابهم بفضل الله ، وإلى أن المقصود من البدء والإعادة إنما هو الثواب ، وأما العقاب ، فكأنه عرض للكفار من سوء اعتقادهم وأفعالهم. قوله : (وَعَذابٌ أَلِيمٌ) أي غير الشراب. قوله : (أي بسبب كفرهم) أشار بذلك إلى أن الباء سببية ، وما مصدرية.
قوله : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً) هذا من جملة أدلة توحيده. قوله : (ذات ضياء) أشار بذلك إلى أن ضياء مصدر ، ويحتمل أنه جمع ضوء ، والمعنى ذات أضواء كثبرة ، والضوء النور القوي العظيم ، فهو أخص من مطلق نور ، وقيل الضياء ما كان ذاتيا ، والنور ما كان مكتسبا من غيره ، فما قام بالشمس يقال له ضياء ، وما قام بالقمر يقال له نور. اعلم أن الشعاع الفائض من الشمس : قيل جوهر ، وقيل عرض ، والحق أنه عرض لقيامه بالإجرام. قوله : (وَالْقَمَرَ) معطوف على (الشَّمْسَ) ، و (نُوراً) على (ضِياءً) ففيه العطف على معمولي عامل واحد ، وهو جائز بلا خلاف.
قوله : (وَقَدَّرَهُ) الضمير عائد على (الْقَمَرَ) فقط ، وخص بالذكر وإن كانت الشمس لها منازل أيضا ، لأن سير القمر في المنازل أسرع ، وبه يعرف انقضاء الشهور والسنين ، لأن المعتبر في مثل الصيام والحج السنة القمرية ، ويحتمل أن الضمير عائد على كل من الشمس والقمر ، وأفرد باعتبار ما ذكر ، والأقرب الأول. قوله : (ثمانية وعشرون منزلا) أي وهي منقسمة على اثني عشر برجا ، وهي : الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت ، لكل برج منزلان وثلث ، فيكون إقامته في كل برج ستة وخمسين ساعة ، وانتقالات الشمس في هذه الأبراج مرتبة على الشهور القبطية ، لكن الشهر : نصفه الأول من آخر برج ، ونصفه الآخر من أول برج آخر ، فيكون نصفه الأول من نصف السنبلة الأخيرة ، ونصفه الأخير من نصف الميزان الأول ، وهكذا. قوله : (ويستتر