تعالى عن ذلك نفصل بالياء والنون (الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (٥) يتدبرون (إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) بالذهاب والمجيء والزيادة والنقصان (وَما خَلَقَ اللهُ فِي السَّماواتِ) من ملائكة وشمس وقمر ونجوم وغير ذلك (وَ) في (الْأَرْضِ) من حيوان وجبال وبحار وأنهار وأشجار وغيرها (لَآياتٍ) دلالات على قدرته تعالى (لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ) (٦) فيؤمنون ، خصهم بالذكر لأنهم المنتفعون بها (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) بالبعث (وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا) بدل الآخرة لإنكارهم لها (وَاطْمَأَنُّوا بِها) سكنوا إليها (وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا) دلائل وحدانيتنا (غافِلُونَ) (٧) تاركون للنظر فيها (أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٨) من الشرك والمعاصي (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ) يرشدهم (رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) به بأن يجعل لهم نورا يهتدون به يوم
____________________________________
ليلتين) أي لا يرى ، وإن كان سائرا.
قوله : (لِتَعْلَمُوا) هذا هو حكمة التقدير. قوله : (وَالْحِسابَ) معطوف على عدد مسلط عليه تعلموا ، ولا يجوز جره عطفا على السنين ، لأن الحساب لا يعلم عدده ، ولذا سئل أبو عمرو عن الحساب ، أتنصبه أم تجره؟ فقال : ومن يدري ما عدد الحساب؟ كناية عن كونه لا يجوز جره. قوله : (المذكور) أي من كونه (جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً). قوله : (بالياء والنون) أي فهما قراءتان سبعيتان ، وعلى النون فيه التفات من الغيبة إلى التكلم. قوله : (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) خصوا بالذكر ، لأنهم هو المنتفعون بذلك.
قوله : (إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) أي في كون أحدهما يخلف الآخر ويعقبه. قوله : (بالذهاب والمجيء) تصوير للاختلاف. قوله : (والزيادة والنقصان) أي فكل واحد يزيد بقدر ما نقص من الآخر. قوله : (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) أي لا يخافونه ولا يؤمنون به. قوله : (وَاطْمَأَنُّوا بِها) أي فعلوا فعل المخلدين فيها. قوله : (أُولئِكَ) مبتدأ ، و (مَأْواهُمُ) مبتدأ ثان ، و (النَّارُ) خبر الثاني ، والثاني وخبره الأول ، والجملة خبر (إِنَ). قوله : (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) أي بسبب كسبهم. قوله : (من الشرك والمعاصي) بيان لقوله : (يَكْسِبُونَ).
قوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) هذا مقابل قوله : (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) إلخ. و (إِنَ) حرف توكيد ونصب ، و (الَّذِينَ) اسمها ، و (آمَنُوا) صلته ، وجملة (يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ) خبر (إِنَ) قوله : (آمَنُوا) أي صدقوا بالله ورسوله واليوم الآخر ، والقدر خيره وشره ، حلوه ومره. قوله : (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي الأعمال المرضية لله ورسوله. قوله : (يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ) أي يوصلهم لدار السعادة وحذف المعمول للعلم به. قوله : (بِإِيمانِهِمْ) أي بسبب تصديقهم بالله ورسله ، أي وبسبب أعمالهم الصالحة أيضا ، فالإيمان والأعمال الصالحة ، سببان موصلان لدار السعادة ، أو المراد بالإيمان الكامل ، ليشمل الأعمال. قوله : (بأن يجعل لهم نورا يهتدون) أي وتصور لهم الأعمال الصالحة بصورة حسنة ، عند خروجهم من القبور ، وتقول لصاحبها : كنت أسهرك في الدنيا ، وأتعبك فيها ، فاركب على ظهري ، وذلك قوله تعالى : (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً) بخلاف الكافر ، فيحشر يوم القيامة أعمى ، لا يهتدي إلى مقصوده ، ويأتيه عمله السيىء فيقول له : كنت متلذذا بي في الدنيا ، فأنا أركبك اليوم ، وذلك قوله تعالى : (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ).