القيامة (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (٩) (دَعْواهُمْ فِيها) طلبهم لما يشتهونه في الجنة أن يقولوا (سُبْحانَكَ اللهُمَ) أي يا الله فإذا ما طلبوه بين أيديهم (وَتَحِيَّتُهُمْ) فيما بينهم (فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ) مفسرة (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٠) ونزل لما استعجل المشركون العذاب (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ) أي كاستعجالهم (بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ) بالبناء
____________________________________
قوله : (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) أي بساتين التنعم ، وهذا الاسم يطلق على جميع الجنات ، والمعنى أن المؤمنين العاملين للصالحات يوصلهم ربهم لدار كرامته ومحل سعادته ، تجري الأنهار بجانب قصورهم ، ينظرون إليها من أعلى أماكنهم. قوله : (طلبهم لما يشتهونه في الجنة أن يقولوا) إلخ ، أي فهذه الكلمة علامة بين أهل الجنة والخدم في جميع ما يطلبونه ، فإذا أرادوا الأكل مثلا قالوا سبحانك اللهم ، فيأتونهم بالطعام على الموائد ، كل مائدة ميل في ميل ، في كل مائدة سبعون ألف صحفة ، في كل صحفة لون من الطعام ، لا يشبه بعضها بعضا ، فإذا فرغوا من الطعام ، وحمدوا الله على ما أعطاهم ، وذلك قوله : (وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين) والمراد بما يشتهونه في الجنة ، ما كان محمودا في الدنيا ، فلا يقال : إن نفوس الفساق قد تشتهي اللواط مثلا فيفيد أنه يحصل في الجنة ، لأنه يقال : المراد بما يشتهونه ، ما ليس بشهوات شيطانية لأنهم عصموا منا بالموت ، فلا تخطر ببالهم في الجنة ، ولا يميل إليهم طبعهم ، وكذلك يقال في شهوة المحارم ، كالأم والبنت ، وأيضا أهل الجنة ، لا أدبار لهم ، ولا يتغوطون فيها ، لما في الحديث : «أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ولا يتفلون ، ولا يبولون ، ولا يتغوطون ، ولا يتمخطون ، قالوا فما بال الطعام؟ قال : جشاء ، ورشح كرشح المسك ، يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس.
قوله : (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) التحية ما يحيا به الإنسان من الكلام الطيب. قوله : (فيما بينهم) أي أو تحية الملائكة لهم. قال تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) أو تحية الله لهم. قال تعالى : (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ). قوله : (وَآخِرُ دَعْواهُمْ) أي خاتمة تسبيحهم في كل مجلس أن يقولوا : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) وليس معناه انقطاع الحمد ، فإن أقوال أهل الجنة وأحوالها لا آخر لها. قوله : (مفسرة) اعترض بأن ضابط المفسرة مفقود هنا ، إذ ضابطها أن يتقدمها جملة فيها معنى القول دون حروفه ، وهنا تقدمها مفرد ، فكان المناسب أن يقول مخففة من الثقيلة ، ويكون اسمها ضمير الشأن ، وجملة (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) خبرها.
قوله : (أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) أي فأهل الجنة يبتدئون مطالبهم بالتسبيح ، ويختمونها بالتحميد. فتلذذهم بالأكل والشرب وسائر النعيم لا يشغلهم عن ذكر الله وشكره. قوله : (ونزل لما استعجل المشركون العذاب) أي لما بين الله سبحانه وتعالى ، أن يجيب الداعي بالخير. أدب عباده بأنهم لا يطلبون الشر ، بل يطلبون الخير فيعطون ، وقوله : (لما استعجل المشركون) قيل : النضر بن الحرث وغيره حيث قالوا : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك ، فأمطر علينا حجارة من السماء.
قوله : (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ) أي الذي طلبوه لأنفسهم. قوله : (أي كاستعجالهم) أشار بذلك إلى أن استعجالهم مصدر ، والأصل استعجالا مثل استعجالهم ، حذف الموصوف ، وأقيمت الصفة