على ظلموا (كَذلِكَ) كما أهلكنا أولئك (نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) (١٣) الكافرين (ثُمَّ جَعَلْناكُمْ) يا أهل مكة (خَلائِفَ) جمع خليفة (فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (١٤) فيها وهل تعتبرون بهم فتصدقوا رسلنا (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا) القرآن (بَيِّناتٍ) ظاهرات حال (قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا) لا يخافون البعث (ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا) ليس فيه عيب آلهتنا (أَوْ بَدِّلْهُ) من تلقاء نفسك (قُلْ) لهم (ما يَكُونُ) ينبغي (لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ) قبل (نَفْسِي إِنْ) ما (أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي) بتبديله (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (١٥) هو يوم القيامة (قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ) أعلمكم (بِهِ) ولا نافية عطف على ما قبله وفي قراءة بلام جواب لو أي لأعلمكم به على لسان غيري (فَقَدْ لَبِثْتُ) مكثت (فِيكُمْ
____________________________________
سبب إهلاكهم شيئان : ظلمهم وعدم إيمانهم. قوله : (ثُمَّ جَعَلْناكُمْ) عطف على (أَهْلَكْنَا). قوله : (خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ) أي متخلفين من بعد القرون ، بسبب أن الله أورثكم أرضهم وديارهم ، فمن يوم بعث الله محمدا فجميع الخلق الموجودون من يومئذ إلى يوم القيامة من أمته مسلمهم وكافرهم ، وهم خلفاء الأرض. قوله : (لِنَنْظُرَ) أي ليظهر متعلق علمنا ، ونعاملهم معاملة من ينظر ، وفي الكلام استعارة تمثيلية ، حيث شبه حال العباد مع ربهم ، بحال رعية مع سلطانها في إمهالهم لنظر ماذا تفعل ، واستعير الاسم الدال على المشبه به للمشبه ، على سبيل التمثيل والتقريب ، ولله المثل الأعلى. قوله : (كَيْفَ تَعْمَلُونَ) أي فهل تصدقون رسلنا أو تكذبونهم.
قوله : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ) فيه التفات من الخطاب للغيبة. قوله : (ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا) أي من عند ربك ، إن كنت صادقا في أنه من عند الله. قوله : (أَوْ بَدِّلْهُ) أي بأن تجعل مكان سب آلهتنا مدحهم ، ومكان الحرام حلالا ، وهذا الكلام من الكفار ، يحتمل أن يكون على سبيل الاستهزاء والسخرية ، ويحتمل أنه على سبيل الامتحان ، ليعلموا كونه من عند الله فلا يقدر على تغييره ولا تبديله أو من تلقاء نفسه فيقدر على ذلك ، والأول هو المتبادر من حالهم. قوله : (قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ) إلخ. أي لا يليق مني ولا يصح. قوله : (إِنِّي أَخافُ) تعليل لما قبله.
قوله : (قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ) مفعول شاء محذوف ، أي عدم إنزاله. قوله : (وَلا أَدْراكُمْ) أدرى فعل ماض ، وفاعله مستتر يعود على الله ، والكاف مفعول به. قوله : (ولا نافية) أي وجملة (أَدْراكُمْ) مؤكدة لما قبلها ، عطف عام على خاص ، والمعنى لو شاء الله عدم إنزاله ما تلوته عليكم ولا أعلمكم به مني ولا من غيري. قوله : (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضا. قوله : (بلام) أي وهي للتأكيد ، والمعنى لو شاء الله عدم تلاوتي ما تلوته عليكم ولا أعلمكم به غيري ، بأن ينزله على لسان نبي غيري ، ونتيجة هذا القياس محذوفة ، تقديره لكن شاء الله إنزاله علي ، فأنا أتلوه عليكم ، وأنا أعلمكم به.
قوله : (فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً) هذا هو وجه الاحتجاج عليهم ، والمعنى أن كفار مكة شاهدوا رسول الله قبل مبعثه ، وعلموا أحواله ، وأنه كان أميا لم يقرأ كتابا ولا تعلم من أحد. وذلك مدة أربعين سنة ، ثم بعدها جاءهم بكتاب عظيم الشأن ، مشتمل على نفائس العلوم والأحكام والآداب ومكارم الأخلاق ، فكل من له عقل سليم وفهم ثابت ، يعلم أن هذا القرآن من عند الله. لا من عند نفسه.