(كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ) قدمت العمل (وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ) الثابت الدائم (وَضَلَ) غاب (عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) (٣٠) عليه من الشركاء (قُلْ) لهم (مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ) بالمطر (وَالْأَرْضِ) بالنبات (أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ) بمعنى الإسماع أي خلقها (وَالْأَبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) بين الخلائق (فَسَيَقُولُونَ) هو (اللهُ فَقُلْ) لهم (أَفَلا تَتَّقُونَ) (٣١) ه فتؤمنون (فَذلِكُمُ) الفعال لهذه الأشياء (اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُ) الثابت (فَما ذا
____________________________________
مسطرا في صحف الملائكة. قال تعالى : (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتابَكَ) ، أو من التلو ، أي تتبع وتطلب ما أسلفته من أعمالها ، وفي قراءة أيضا : نبلو بالنون بعدها باء موحدة ، أم نختبر نحن ، وكل بالنصب مفعول به عليها وهي شاذة. قوله : (وَرُدُّوا) أي المشركون. قوله : (الثابت الدائم) أي الذي لا يقبل الزوال أزلا ولا أبدا.
قوله : (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) أي غاب عنهم افتراؤهم بظهور الحق ، فلا ينافي أنهم معهم في النار ، وهكذا كل من اعتمد على غير الله يقال له : (هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ) الآية ، فينبغي للإنسان أن يسعى في خلاص قلبه من الوهم الذي يلجئه إلى الاعتماد على غير الله ، من جاه أو مال أو علم أو عمل أو غير ذلك ، ليرى الحق حقا ، والباطل باطلا ، فيتبع الحق ، ويجتنب الباطل. وبهذا الأمر يتبين الولي من العامي. فالولي يرى الأشياء كلها ظاهرا وباطنا من الله ، فهو دائما مطمئن ساكن مسلم لله في كل ما يفعله ، والعامي يعتقد ذلك بقلبه ، غير أن الوهم يخيل له أن لغير الله ضرا أو نفعا ، فيكون دائما في تعب ونصب ، وقد أشار العارف لذلك بقوله :
وما الخلق في التمثال إلا كثلجة |
|
لها صورة لكن تبدت عن الماء |
فذو الكشف لم يشهد سوى الماء وحده |
|
تبدى بوصف الثلج من غير إخفاء |
ومن حجبته صورة الثلج جاهل |
|
تغطى عليه الأمر من لمع أضواء |
قوله : (قُلْ) (لهم) (مَنْ يَرْزُقُكُمْ) إلخ ، أمر الله سبحانه وتعالى نبيه صلىاللهعليهوسلم ، أن يقيم الحجة على المشركين ، ويبطل ما هم عليه من الإشراك ، بأسئلة ثمانية ، أجاب المشركون عن الخمسة الأولى ، وأجاب رسول الله عن الاثنين بعدها بتعليم الله له ، وجواب الأخير لم يذكر للعلم به ، وقد صرح به المفسر. قوله : (مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) أي رزقا مبتدأ من السماء والأرض. قوله : (بالمطر) أي فهو سبب لإخراج نبات الأرض ، فصح كون الرزق من السماء.
قوله : (أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ) أي يخلقه ويحفظه من الآفات في كل لحظة ، إذ هو معرض للزوال ، لو لا حفظ الله ما ثبت. قوله : (بمعنى الإسماع) إنما قال ذلك ليوافق الأبصار. قوله : (وَالْأَبْصارَ) جمع بصر ، والمعنى أن الله تعالى هو الخالق للأبصار ، الواضع للنور فيها ، الذي به الأبصار ، وهو الحافظ له. قوله : (وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) إلخ. تقدم أن المراد بالحي الإنسان والطير ، وبالميت النطفة والبيضة. قوله : (وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) عطف عام على خاص ، لأن تدبير الأمر عام في كل شيء.
قوله : (فَسَيَقُولُونَ اللهُ) أي جوابا لمن تقدم. قوله : (أَفَلا تَتَّقُونَ) أي أدمتم على الشرك فلا