بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ) استفهام تقرير أي ليس بعده غيره فمن أخطأ الحق وهو عبادة الله وقع في الضلال (فَأَنَّى) كيف (تُصْرَفُونَ) (٣٢) عن الإيمان مع قيام البرهان (كَذلِكَ) كما صرف هؤلاء عن الإيمان (حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا) كفروا وهي لأملأن جهنم الآية أو هي (أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٣٣) (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) (٣٤) تصرفون عن عبادته مع قيام الدليل (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِ) بنصب الحجج وخلق الاهتداء (قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِ) وهو الله (أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي) يهتدي (إِلَّا أَنْ يُهْدى) أحق أن يتبع استفهام تقرير وتوبيخ أي الأول أحق (فَما لَكُمْ كَيْفَ
____________________________________
تتقونه ، ويؤخذ من هذا ، أن المعرفة ليست هي الإيمان ، إذ لو كانت هي الإيمان ، لكان إقرارهم بأن الله هو الفعال لهذه الأشياء ، توحيدا وإيمانا ، بل الإيمان هو حديث للنفس التابع للمعرفة ، أي قول النفس : آمنت وصدقت على التحقيق. قوله : (الثابت) أي الذي لا يقبل الزوال أزلا ولا أبدا. قوله : (استفهام تقرير) المناسب إنكار بدليل قوله : (أي ليس بعده غيره). قوله : (وقع في الضلال) أي الباطل وهو الشرك ، لأنه لا واسطة بين الحق والباطل. قوله : (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) أي تمنعون ، وهو استفهام تعجبي.
قوله : (كَذلِكَ) الكاف في محل نصب نعت لمصدر محذوف ، والتقدير مثل صرفهم عن الحق بعد الإقرار به (حَقَّتْ) إلخ. قوله : (وهي) (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) أي فالمراد نفذ القضاء والقدر ، بأن جهنم تمتلىء من الجن والإنس ، حتى تقول قط قط. قوله : (وهي) (أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) أو لتنويع الخلاف ، أي فالمراد بكلمة الله على هذا القول ، نفوذ قضاء الله وقدره بعدم إيمانهم. قوله : (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ) إلخ. هذا هو السؤال السادس. قوله : (مَنْ يَبْدَؤُا) أي ينشىء الخلق من العدم. قوله : (ثُمَّ يُعِيدُهُ) أي الخلق في القيامة للحساب والجزاء ، وإنما لم يجيبوا عن هذا السؤال ، وتولى الله الجواب عنه ، لأنهم منكرون للبعض ، فلو أجابوا لكان ذلك إقرارا منهم بالبعث ، وصح أن يكون حجة عليهم ، لقيام الأدلة والبراهين عليه ، فلا يستطيعون أن ينازعوا في ذلك.
(قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ) هذا هو السؤال السابع. والمعنى : هل من شركائكم من يقيم الحجج ، ويرسل الرسل ، ويوفق العبيد لرشادهم؟ ولما لم يكونوا مسلمين ذلك تولى الله جوابه أيضا. قوله : (قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِ) أي فهو أحق بالإتباع ، لا هذه الأصنام التي لا تهتدي بنفسها. قوله : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِ) هذه هو السؤال الثامن ، وقد ذكر المفسر جوابه بقوله الأول (أحق). قوله : (أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ) خبر قوله : (أَفَمَنْ يَهْدِي) والمعنى : أفمن يهدي إلى الحق حقيق بالإتباع ، أم من لا يهدي إليه. قوله : (أَمَّنْ لا يَهِدِّي) أصله يهتدي ، نقلت فتحة التاء إلى الهاء ، وأبدلت التاء دالا ، وادغمت في الدال ، ويهدي بفتح الهاء وكسرها ، وبكسر الياء والهاء معا ، فالقراءات ثلاث وكلها سبعية ، فكسر الهاء للتخلص من التقاء الساكنين ، وكسر الياء اتباعا لكسر الهاء.
قوله : (إِلَّا أَنْ يُهْدى) استثناء من أعم الأحوال. والمعنى لا يهتدي في حال من الأحوال ، إلا في حال إهداء الغير إياه. ومعنى هداية الأصنام ، كونها تنقل من مكان لآخر ، فالمعنى لا تنتقل من مكان