تَحْكُمُونَ) (٣٥) هذا الحكم الفاسد من اتباع ما لا يحق اتباعه (وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ) في عبادة الأصنام (إِلَّا ظَنًّا) حيث قلدوا فيه آباءهم (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) فيما المطلوب منه العلم (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ) (٣٦) فيجازيهم عليه (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى) أي افتراء (مِنْ دُونِ اللهِ) أي غيره (وَلكِنْ) أنزل (تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) من الكتب (وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ)
____________________________________
لآخر ، إلا أن تحمل وتنقل ، وهذا ظاهر في الأصنام ، وأما مثل عيسى والعزيز ، فمن لا يهدي لا يخلق الهدى ، لا في نفسه ولا في غيره ، فالخلق كلهم عاجزون ، إذ لا يملكون لأنفسهم شيئا فضلا عن غيرهم. قوله : (فَما لَكُمْ) أي أي شيء ثبت لكم في هذه الحالة؟ قوله : (كَيْفَ تَحْكُمُونَ) أي بالباطل ، وتجعلون لله شركاء.
قوله : (وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ) يفيد أن الأقل يعرفون أن الله منزه عن كل نقص متصف بكل كمال ، غير أنهم يكفرون عنادا. قوله : (حيث قلدوا فيه آباءهم) أي فقالوا (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ). قوله : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) المراد بالظن خلاف التحقيق ، فيشمل الشك والوهم ، وهذا الكلام في حق الكفار ، الذين اتبعوا غيرهم في الكفر وقلدوهم فيه ، فلا عذر لهم في التقليد دنيا ولا أخرى ، وأما المؤمن الخالص ، الذي امتلأ قلبه بالإيمان حيث عجز عن قيام الأدلة على التوحيد ، وقلد العارف فيه ، فليس من هذا القبيل ، بل هو مؤمن جزما لأنه ليس عنده ظن ، بل جزم مطابق للواقع ، وربما إن دام على الصدق ، ومتابعة من يقلده ، يرتقي في التوحيد إلى مقام أعلى وأجل من مقام من قلده ، وأما القول بأنه كافر ، فإنما يعرف لأبي هاشم الجبائي من المعتزلة ، فلا يعول عليه. قوله : (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ) هذا تهديد لهم ، على ما وقع منهم من الأفعال الشنيعة والأحوال القبيحة.
قوله : (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ) المقصود من هذا الكلام ، الرد على من كذب القرآن ، وزعم أن ليس من عند الله ، والمعنى : لا ينبغي لهذا القرآن أن يختلق ويفتعل ، لأن تراكيبه الحسنة أعجزت العالمين ، وذلك لأن حسن الكلام على حسب سعة علم المتكلم واطلاعه ، ولا أحد أعلم من رب العالمين فلذلك أعجز الخلائق جميعا لكونه في أعلى طبقات البلاغة ، ولذلك قال صاحب الهمزية :
أعجز الإنس آية منه |
|
والجن فهلا أتى به البلغاء |
إلى أن قال :
سور منه أشبهت صورا |
|
منا ومثل النظائر النظراء |
قوله : (أي افتراء) أشار بذلك إلى أن خبر كان (أَنْ) وما دخلت عليه في تأويل مصدر. قوله : (وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) هذا الاستدراك وقع أحسن موقع ، لأنه وقع بين نقيضين : الكذب والصدق ، وتصديق بالنصب خبر لكان مقدرة ، والتقدير ولكن مكان تصديق إلخ ، أو مفعول لأجله بفعل محذوف ، قدره المفسر بقوله : (أنزل) ، و (تَصْدِيقَ) بمعنى مصدق ، أو بولغ فيه ، حتى جعل نفس التصديق على حد زيد عدل ، وكذا يقال في قوله : (وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ). قوله : (من الكتب) أي السماوية المنزلة على الأنبياء.
قوله : (وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ) أي مفصل لما في الكتاب ، وهو اللوح المحفوظ ، فالقرآن مفصل لما