المشي ﴿إِلَى﴾ جهة ﴿الدَّاعِ﴾ مادّين أعناقهم إليه ، أو ناظرين إليه غير قالعين أبصارهم عنه ، وعند ذلك ﴿يَقُولُ الْكافِرُونَ﴾ بالله والرسول واليوم الآخر : ﴿هذا﴾ اليوم الذي ابتلينا به ﴿يَوْمٌ عَسِرٌ﴾ وصعب علينا ، شديدة أهواله لنا ، وأمّا المؤمنون فانّهم يقولون : هذا يوم يسير.
عن السجّاد عليهالسلام ، عن أبيه ، عن أمير المؤمنين عليهالسلام - في حديث - يذكر [ فيه ] أهوال يوم القيامة : « فيشرف الجبّار تبارك وتعالى عليهم من فوق عرشه في ظلال من الملائكة ، فيأمر ملكا من الملائكة فينادي فيهم : يا معشر الخلائق ، أنصتوا واستمعوا منادي الجبار » قال : فيستمع آخرهم كما يستمع أولهم فتنكسر أصواتهم عند ذلك ، وتخشع أبصارهم ، وتضطرب فرائصهم ، وتفزغ قلوبهم ، ويرفعون رؤوسهم إلى ناحية الصوت مهطعين إلى الداعي قال : « فعند ذلك يقول الكافرون : هذا يوم عسر » (١) .
﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ * فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي
مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً
فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي
بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ * وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٩) و (١٥)﴾
ثمّ لمّا ذكر سبحانه المشركين نبوّة نبيّه صلىاللهعليهوآله ونسبتهم معجزاته إلى السّحر ، ذكر حال الامم المهلكة الذين كانوا قبل كفّار مكّة تهويلا لهم وتسلية لحبيبه محمد صلىاللهعليهوآله بقوله : ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ﴾ بالرسل والآيات ﴿قَوْمُ نُوحٍ﴾ في دعوى رسالته وتوحيد الله ، كما كذّبت قومك رسالتك وآية انشقاق القمر ﴿فَكَذَّبُوا﴾ لتكذيبهم جميع الرسل ﴿عَبْدَنا﴾ ورسولنا نوح في دعوى رسالته مع علوّ شأنه ، وبالغوا في تكذيبه حتى رموه بزوال العقل ﴿وَقالُوا﴾ إنّه ﴿مَجْنُونٌ﴾ حيث يتكلّم بما لا يتكلّم به عاقل ، ويدعوا إلى ما لا يقبله أحد ﴿وَازْدُجِرَ﴾ ومنع عن تبليغ رسالته بالشتم والضرب وأنواع الأذى ، حين يئس من إيمانهم ، وترك دعوتهم. وقيل : إنّه من كلام القوم ، والمعنى : ازدجره الجنّ ، وتخبّطه وأفسدته (٢).
﴿فَدَعا رَبَّهُ﴾ بعد يأسه عن إيمانهم ، وكان دعاؤه ﴿أَنِّي﴾ يا ربّ ﴿مَغْلُوبٌ﴾ من جهة قومي ، ولا أقدر على دفعهم ومنعهم عن إيذائي ، وعيل صبري ﴿فَانْتَصِرْ﴾ إذن لعبدك (٣) نوح ، وانتقم له من أعدائه ، أو انتصر لنفسك من أعدائك ، فاستجبنا دعاءه ﴿فَفَتَحْنا﴾ لاهلاك قومه ﴿أَبْوابَ السَّماءِ﴾
__________________
(١) الكافي ٨ : ١٠٤ / ٧٩ ، تفسير الصافي ٥ : ١٠٠.
(٢) تفسير روح البيان ٩ : ٢٧١.
(٣) في النسخة : عبدك.