وطرقها من طرف المجرّة على ما روى عن أمير المؤمنين عليهالسلام (١) وكان فتحها ﴿بِماءٍ﴾ كثير ﴿مُنْهَمِرٍ﴾ ومنصبّ على الأرض انصبابا شديدا ، فصار صبّ الماء كالمفتاح للأبواب. قيل : كان القوم يطلبون المطر سنين ، فكأنّ مطلوبهم جاء إلى الباب ففتحه (٢) ، أو المراد فتحنا الأبواب مقرونة بماء منصبّ (٣) ﴿وَفَجَّرْنَا﴾ وشققنا ﴿الْأَرْضَ﴾ بحيث صارت كلّها ﴿عُيُوناً﴾ تجري منها الماء.
﴿فَالْتَقَى الْماءُ﴾ النازل من السماء ، والماء النابع من الأرض ، واتّصلا واختلطا ، فصارا ﴿عَلى أَمْرٍ﴾ وحال ﴿قَدْ قُدِرَ﴾ من جانب الله لإهلاك القوم ، أو على حال صار كلّ من الماءين بقدر الآخر ، أو على قدره لا يعلم مقداره كانا متساويين ، أو أحدهما أزيد من الآخر.
فلمّا غرقت الأرض بدعاء نوح نجيناه ﴿وَحَمَلْناهُ﴾ ومن آمن معه ﴿عَلى﴾ سفينة ﴿ذاتِ أَلْواحٍ﴾ وصاحبة قطعات من الخشب ، ﴿وَ﴾ ذات ﴿دُسُرٍ﴾ ومسامير ، فهي مع سهولة انفكاكها ﴿تَجْرِي﴾ وتسير في الطّوفان ﴿بِأَعْيُنِنا﴾ وحفظنا ، أو بمرأى منّا ، وإنّما كان ذلك الحمل والنجاة من الغرق ، أو حفظ السفينة من الانفكاك والغرق ، أو إجابة دعائه وفتح أبواب السماء ، أو جميع ما ذكر ﴿جَزاءً لِمَنْ كانَ﴾ وجوده وبعثه في الخلق نعمة عظيمة من الله تعالى ، ثمّ ﴿كُفِرَ﴾ ذلك الشخص بترك إطاعته ، والقيام بعداوته ، والتظاهر على إيذائه ، فصبر على جميع ذلك ، فنصر على أعدائه بغرقهم ، وإنجائه بوسيلة السفينة.
﴿وَلَقَدْ تَرَكْناها﴾ وأبقيناها على وجه الأرض دهرا طويلا ، لتكون ﴿آيَةً﴾ وعبرة يعتبر بها من نظر إليها. قيل : بقيت إلى أوائل هذه الامّة (٤) . وقيل : يعني جعلناها آية عظيمة يعتبر بها من يقف على خبرها (٥)﴿فَهَلْ﴾ في الناس ﴿مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ ومعتبر بالعبر ومتّعظ بالمواعظ الإلهية ، فيخاف من الله المنتقم ، ويترك عصيانه.
﴿فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ * كَذَّبَتْ
عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ * إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ
مُسْتَمِرٍّ * تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ * فَكَيْفَ كانَ عَذابِي
وَنُذُرِ (١٦) و (٢١)﴾
__________________
(١) تفسير روح البيان ٩ : ٢٧٢.
(٢) تفسير الرازي ٢٩ : ٣٧.
(٣) تفسير الرازي ٢٩ : ٣٧.
(٤) تفسير أبي السعود ٨ : ١٧٠ ، تفسير روح البيان ٩ : ٢٧٣.
(٥) تفسير أبي السعود ٨ : ١٧٠ ، تفسير روح البيان ٩ : ٢٧٣.