بعد ما ترفعهما في الهواء ، ثمّ تلقيهما على الأرض ، والباقون ينظرون إليهما ، حتى رفعتهم كلّهم ، ثمّ رمت بالرّمل والتّراب عليهم (١) .
وقيل : شبّهت أجسادهم بالنخل لطول قامتهم ، ولأنّ الريح كان تقلعهم وتصرعهم على رؤوسهم ، فتدقّ رقابهم ، فتبين الرؤوس من أجسادهم ، فبتقى أجسادا بلا رؤوس (٢) .
ثمّ كرّر سبحانه قوله : ﴿فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ﴾ تهويلا لهما ، وتعجيبا من أمرهما (٣) . وقيل : إنّ الأول في الدنيا ، والثاني في العقبى (٤) .
﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ * كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ * فَقالُوا أَبَشَراً
مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٢٢) و (٢٤)﴾
ثمّ أكّد سبحانه كون القرآن أكمل المذكّرات وأوفى المواعظ بتكرار قوله : ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ .
ثمّ ذكر سبحانه طغيان قوم صالح بقوله : ﴿كَذَّبَتْ﴾ ثوم صالح ، اسمهم ﴿ثَمُودُ بِالنُّذُرِ﴾ والمواعظ التي استمعوها من صالح ، أو بالرسل جميعا من صالح ومن قبله من الرسل ، لانكارهم صلاحية : البشر للرسالة ، كما حكاه سبحانه بقوله : ﴿فَقالُوا﴾ إنكارا واستعجابا ﴿أَبَشَراً مِنَّا﴾ وإنسانا كائنا من جنسنا مع كونه ﴿واحِداً﴾ منّا ، لا فضيلة له علينا ، حيث إنّه يأكل ويمشي في الأسواق ، أو واحدا لا تبع له ، ومنفردا لا أحد من الملائكة معه ﴿نَتَّبِعُهُ﴾ ونطيعه في أوامره ونواهيه ، ونقتدي به في عقائده وأعماله ﴿إِنَّا﴾ مع كثرتنا وشوكتنا ﴿إِذاً﴾ وعلى تقدير انقيادنا له واتّباعنا إياه مع تفرّده في الرأي والاعتقاد ، وكونه مثلنا في البشرية والحاجة ﴿لَفِي ضَلالٍ﴾ وانحراف عن طريق الصلاح والصواب ﴿وَسُعُرٍ﴾ ونيران الذلّ والهوان. قيل : كان صالح يقول لهم : إن لم تتّبعوني تكونوا في ضلال عن الحقّ في الدنيا ، ونيران في الآخرة ، فعكسوا عليه عتوا وقالوا : إن اتّبعناه كنّا في ضلال وسعر (٥) ، أو المراد كنّا في سعر وجنون ، لكون اتّباعه خلاف حكم العقل.
﴿أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ * سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ
الْأَشِرُ * إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ * وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ
قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ * فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ * فَكَيْفَ كانَ
__________________
(١) تفسير روح البيان ٩ : ٢٧٦.
(٢) تفسير روح البيان ٩ : ٢٧٥.
(٣و٤) تفسير روح البيان ٩ : ٢٧٦.
(٥) تفسير أبي السعود ٨ : ١٧١ ، تفسير روح البيان ٩ : ٢٧٧.