والتخويفات بالعذاب الدنيوي والاخروي ، مع كونهم شاكّين فيه.
ثمّ إنّ القوم لمّا سمعوا بورود شبّان حسان الوجوه على لوط ضيفا له ، وطمعوا في أن يمكّنهم لوط من عمل الفحشاء بهم ﴿وَ﴾ تالله ﴿لَقَدْ راوَدُوهُ﴾ وطالبوه عن تمكينهم ﴿عَنْ ضَيْفِهِ﴾ وهم الملائكة أن يفجروا بهم ومعهم جبرئيل ﴿فَطَمَسْنا﴾ ومسحنا ﴿أَعْيُنَهُمْ﴾ وسوّيناها كسائر وجوههم بحيث لم ير لها شقّ ، بضرب جبرئيل جناحه عليها ، أو باشارته إليها ، أو بضرب كفّ من البطحاء على وجوههم ، وقلنا لهم بلسان الملائكة : إذا بلغ طغيانكم إلى هذا الحدّ ﴿فَذُوقُوا﴾ أيّها الطّغاة ﴿عَذابِي﴾ وهو الطّمس ﴿وَنُذُرِ﴾ ي ، ومآل تخويفاتي بلسان لوط إيّاكم ، لا خلاص لكم منه بالصّراخ والضّراعة.
﴿وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ * فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا
الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ * وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ * كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها
فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (٣٨) و (٤٢)﴾
قيل : إنّ المراد بمآل الانذارات عذاب الآخرة ، فانّ أوّله متصل بآخر عذاب الدنيا ، فهما كالواقع في زمان واحد (١) .
ثمّ إنّه تعالى بعد ذكر العذاب الخاصّ بالداخلين على لوط المراودين له عن ضيفه ، ذكر العذاب العام لجميع القوم بقوله تبارك وتعالى : ﴿وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ﴾ وجاءهم حين طلوع الفجر ﴿بُكْرَةً﴾ من البكر ، أو أوّل طلوعه بلا تأخير ﴿عَذابٌ﴾ عام ﴿مُسْتَقِرٌّ﴾ وثابت ودائم عليهم ، متّصل بعذاب الآخرة ، أو ثابت لا مدفع له ، أو ثابت عليهم لا يتعدّى غيرهم ، وهو جعل أعلى قريتهم أسفلها ، وإمطار الحجارة عليهم ، وقلنا لهم تشديدا لعذابهم : إذن ﴿فَذُوقُوا﴾ أيّها الكفرة الطّغاة ﴿عَذابِي﴾ على كفركم وطغيانكم ﴿وَنُذُرِ﴾ ي وإيعاداتي.
ثمّ بالغ سبحانه في التنبيه على كون القرآن المشتمل على تلك القصص أكمل المواعظ بتكرار قوله: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ﴾ والعظة ﴿فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ فانّ في التكرير مبالغة في التنبيه والايقاظ ، وتقريرا للمعاني في الأسماع والقلوب ، وتثبيتا لها في الصدور ، وكلّما زاد ازدادت للامور المذكورة.
ثمّ ذكر سبحانه شدّة طغيان فرعون وقومه ، وابتلاءهم بالعذاب بقوله : ﴿وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ﴾ وأشراف قومه الذين شاركوه في الطّغيان وإضلال الناس ﴿النُّذُرُ﴾ والأيعادات والتخويفات من قبل
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٩ : ٦١.