الله على لسان موسى ، أو المنذرون والرسل كموسى وهارون.
ثمّ كأنّه قيل : فما فعلوا حينئذ ؟ فأجاب سبحانه بقوله : ﴿كَذَّبُوا بِآياتِنا﴾ ومعجزات رسلنا ﴿كُلِّها﴾ عنادا ولجاجا ﴿فَأَخَذْناهُمْ﴾ بالعذاب بسبب تكذيبهم ﴿أَخْذَ﴾ ملك ﴿عَزِيزٍ﴾ وقاهر لا يقهر و﴿مُقْتَدِرٍ﴾ لا يعجزه شيء.
﴿أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ * أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ
مُنْتَصِرٌ * سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ
أَدْهى وَأَمَرُّ (٤٣) و (٤٦)﴾
ثمّ لمّا بيّن سبحانه ابتلاء مكذّبي الرسل بأنواع العذاب ، وجّه الخطاب إلى كفّار العرب ، أو المكذّبين لخاتم النبيين صلىاللهعليهوآله من قريش وأهل مكّة ، وبيّن أنّهم في استحقاق العذاب كمن تقدّمهم من الامم المهلكة المكذّبة للرسل بقوله تعالى : ﴿أَكُفَّارُكُمْ﴾ أيّها العرب المصرّون على تكذيب رسولنا ، أو يا أهل مكّة ﴿خَيْرٌ﴾ عند الله ، وأقلّ استحقاقا للعذاب ﴿مِنْ أُولئِكُمْ﴾ الطّغاة الذين اهلكوا بما سمعتم من أنواع العذاب حتى تأمنوا منه ﴿أَمْ﴾ لا تكونون خيرا منهم ، ولكن ﴿لَكُمْ﴾ من جانب الله ﴿بَراءَةٌ﴾ وأمان من عذاب الله مكتوب ﴿فِي الزُّبُرِ﴾ والكتب السماوية التي نزلت على الرسل إن أصررتم على الكفر وتكذيب الرسل ، فلذا تصرّون على الشرك وتكذيب محمد صلىاللهعليهوآله وتجترئون على المعاصي ، ولا تخافون من نزول العذاب عليكم ، وأن يكون حالكم حال الامم الذين كانوا قبلكم ، لا والله ليس لكم تلك البراءة في كتاب من الكتب السماوية فضلا عن جميعها.
ثمّ أعرض سبحانه عن خطابهم إيذانا بعدم قابليتهم للخطاب لغاية الجهل ، ووجّه خطابه إلى العقلاء بقوله : ﴿أَمْ يَقُولُونَ﴾ أولئك الجهّال الحمقاء : إن نزل العذاب فانّا ﴿نَحْنُ جَمِيعٌ﴾ وكثير متّفقون على دفعه ﴿مُنْتَصِرٌ﴾ ومتعاون بعضنا مع بعض (١) ، أو ممتنع بقوّتنا عن الابتلاء به ، وإنّما أفرد لفظ المنتصر إمّا باعتبار لفظ ( الجميع ) ، والمعنى نحن جميع جنس منتصر ، أو باعتبار أنّ ( جميع ) بمعنى كلّ واحد ، والمعنى كلّ واحد منّا منتصر يغلب محمدا ، أو يدفع عن نفسه العذاب.
ثمّ ردّ الله قولهم الفرضي (٢) بقوله تعالى : ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ﴾ وتنكسر البتة شوكتهم ﴿وَيُوَلُّونَ﴾ وينصرفون في حرب محمد صلىاللهعليهوآله ﴿الدُّبُرَ﴾ وإفراده لإرادة الجنس ، كما وقع يوم بدر.
عن عمر بن الخطاب ، قال : لمّا نزلت ( سيهزم الجمع ) كنت لا أدري أي جمع ، فلمّا كان يوم بدر
__________________
(١) في النسخة : ببعض.
(٢) في النسخة : الفرضية.