في تفسير سورة الرحمن
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿الرَّحْمنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسانَ * عَلَّمَهُ الْبَيانَ (١) و (٤)﴾
ثمّ لمّا ختم سبحانه سورة القمر المبتدئة باظهار المهابة بالإخبار باقتراب الساعة ، وذكر أعظم معجزات النبي صلىاللهعليهوآله وهو انشقاق القمر ، وتكرار ذكر تسهيل نعمة القرآن للذّكر والاتعاظ به ، وتكرار شدّة عذابه وكثرة إنذاره بقوله تعالى : ﴿فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ﴾(١) مرّة بعد مرة ، وتعداد ما نزل على الامم السالفة من أنواع العذاب ، وختمها بذكر أسمائه الدالّة على كمال عظمته واقتداره المشعر بشدّة انتقامه ، نظمت سورة الرحمن المبتدئة باظهار كمال رحمته ، وذكر أعظم المعجزات العقلية لنبينا ، وهو تعليم القرآن الذي فيه صفاء القلوب وشفاء الصدور ، وتكرار تذكير آلائه ونعمه بقوله : ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾(٢) وتعداد تفصيل نعمه الدنيوية والاخروية على المؤمنين ، فابتدأها بذكر الأسماء المباركات بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ .
ثمّ أعلن برحمته الواسعة لجميع الموجودات بقوله تعالى : ﴿الرَّحْمنُ﴾ والذات العطوف على جميع الخلق بالايجاد أولا ، والرزق وتهيئة أسباب البقاء ثانيا ، وموجبات السعادة والهداية ثالثا.
وإنّما خصّ هذا الاسم الاعظم بذاته المقدّسة بحيث لا يجوز إطلاقه على غيره ، لكون سائر أسمائه تحت هذا الاسم ، ولا يكون أحد قابلا لتسميته به ، كاسم الله الدالّ على الذات ، والمستجمع لجميع الصفات الكمالية ، ولذا أقرنهما في قوله : ﴿قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ﴾(٣) .
ثمّ شرع سبحانه في تعداد نعمه الدنيوية والاخروية والجسمانية والروحانية اللاتي كلّها من شؤون الرحمانية ، ولمّا كان أعظمها قدرا وأرفعها شأنا القرآن الذي هو مدار السعادة الدنيوية والاخروية ، ومظهر لحقائق الكتب السماوية ، ومناط لكون سائر النّعم نعما ، بدأ بإظهار المنّة بتعليمه بقوله : ﴿عَلَّمَ﴾ بتوسّط جبرئيل محمدا صلىاللهعليهوآله ، وبتوسّطه غيره ﴿الْقُرْآنَ﴾ العظيم الشأن.
__________________
(١) القمر : ٥٤ / ١٦.
(٢) الرحمن : ٥٥ / ١٣.
(٣) الإسراء : ١٧ / ١١٠.