انقياد الساجد ، وقيل : إنّ المراد من سجودهما سجود ظلالهما. وقيل : غير ذلك (١) .
وإخلاء الجملة الاولى عن العاطف ، لكون النظر فيها إلى تعداد النعم ، وذكره في هذه الجملة لتناسبها مع سابقتها من حيث التقابل ؛ لأنّ الشمس والقمر علويان ، والنجم والشجر سفليان ، وكون فعل الجميع من الجريان والسجود من باب الانقياد لأمر الله ، وإنّما قدّم النجم لمناسبته اللفظية مع الشمس والقمر ، ولأنّ حال السجود فيه أظهر لانبساطه على الأرض ، كما أنّ تقديم الشمس على القمر لأشرفيتها منه ، ولأنّ الحساب فيها أظهر.
﴿وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ * أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ
بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (٧) و (٩)﴾
ثمّ ذكر واحدا من نعمه المهمة السماوية بقوله : ﴿وَالسَّماءَ﴾ المطلّة ﴿رَفَعَها﴾ وخلقها فوق الأرض ، لتكون سقفا محفوظا. وقيل : اريد من رفعها رفع رتبتها ، لكونها محلّ ملائكته ، ومنشأ اقضيته ، ومتنزّل أوامره وأحكامه (٢) .
ثمّ ذكر واحدا من نعمه المهمة الأرضية بقوله : ﴿وَوَضَعَ﴾ في الأرض ، وجعل فيها ﴿الْمِيزانَ﴾ لتعيين الحقوق وتسويتها ، ولو لاه لوقع بين الناس العداوة والبغضاء ، فانّ العدل سبب لبقاء عمارة العالم ، وأخص أسبابه الميزان ، ولذا عدّه من النّعم العظيمة ، فكأنّه قال : نشر سبحانه العدل الذي أخصّ أسبابه الميزان ، وإنّما جعل ذلك لأجل ﴿أَلَّا تَطْغَوْا﴾ ولا تجاوزوا عن الحدّ الواجب من الحقوق ﴿فِي الْمِيزانِ﴾ بأن لا تنقصوا من (٣) حقّ الغير ، ولا تتعدّوا على (٤) الغير بأخذ الزائد عن حقّكم.
ثمّ قرّر سبحانه ذلك بقوله : ﴿وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ﴾ وداروا معرفة قدر الحقوق ﴿بِالْقِسْطِ﴾ والعدل ﴿وَلا تُخْسِرُوا﴾ ولا تنقصوا ﴿الْمِيزانَ﴾ قيل : لا تنقصوا الموزون في الميزان ، وإنّما كرّر لفظ الميزان تشديدا للوصية به ، وحثّا على استعماله (٥) .
وقيل : إنّ لفظ ( ميزان ) اريد به فى كلّ آية معنى ، ففي الآية الاولى اريد به الآلة أو العدل ، وفي الثانية اريد به الوزن أو الآلة ، وفي الثالثة اريد به الموزون (٦) .
وعن الرضا عليهالسلام - في تأويل الآيات وبيان بطنها في رواية - قيل له : ﴿خَلَقَ الْإِنْسانَ ؟﴾ قال : « ذلك أمير المؤمنين عليهالسلام » قيل : ﴿عَلَّمَهُ الْبَيانَ ؟﴾ قال : « علّمه بيان كلّ شىء يحتاج إليه الناس » .
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٩ : ٨٩.
(٢) تفسير أبي السعود ٨ : ١٧٧ ، تفسير روح البيان ٩ : ٢٩.
(٣و٤) في النسخة : عن.
(٥) تفسير أبي السعود ٨ : ١٧٧.
(٦) تفسير الرازي ٢٩ : ٩٠.