﴿فِيها فاكِهَةٌ﴾ وأشجار كثيرة تلتذّ النفوس بثمارها الطيبة ﴿وَ﴾ فيها ﴿النَّخْلُ﴾ بأصنافها ، وإنّما نكّر الفاكهة لإظهار قلّة نفعها بالنسبة إلى النخل ، أو للاشارة إلى كثرة أنواعها ، وإنّما ذكر الفاكهة دون شجرها بخلاف النخل فانّ منافعها كثيرة جدا.
ثمّ نبّه سبحانه على تكميل نعمة النخل بتوصيفها بقوله : ﴿ذاتُ الْأَكْمامِ﴾ والأوعية للتمر ، فانّ في جعل ثمارها في الأوعية سهولة جمعها والانتفاع بها ، حيث إنّ النخل شجرة عظيمة لا تسقط ثمارها بهزّها ، فلابدّ من قطفها ، فلو كان حبّات ثمرها متفرّقة لصعب قطفها واحدة بعد واحدة (١) ، فجعله الله في وعاء إذا اقتطف ذلك الوعاء والكمّ اقتطف قدر كثير من الرّطب والتمر.
وقيل : إنّ الكمّ بالضمّ : كلّما يغطّي النخل من ليف وسعف وغيرهما (٢) ، فانه ينتفع به كما ينتفع بجذوعهما.
﴿وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٢) و (١٣)﴾
ثمّ ذكر سبحانه بعد نعمة الأشجار نعمة الزرع ، ارتقاء من النّعمة الأنزل وهي الفاكهة والنخل إلى النّعمة الأعلى بقوله : ﴿وَالْحَبُ﴾ من البرّ والشعير والأرز وغيرهما ممّا يقتات به أو يؤدم به ﴿ذُو الْعَصْفِ﴾ والتبن ، كما عن الرضا عليهالسلام (٣) . ﴿وَالرَّيْحانُ﴾ قيل : إنّ الريحان هنا بمعنى الرزق ، كما عن ابن عباس (٤) . وقيل : إنّه الحبّ المأكول (٥) . وقيل : إنّه كلّما طابت رائحته من النباتات (٦) . وقيل : هو الريحان المعروف ، فانّ بزره من الأدوية النافعة ، فالعصف علف الدواب والريحان دواء الانسان(٧) .
ثمّ إنّه تعالى بعد تعداد نعمه طالب من الثقلين الإقرار بنعمه والشّكر عليها بقوله تعالى : ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما﴾ أيّها الجنّ والانس ، وبأيّ النعم الظاهرة والباطنة التي أنعم عليكما مالككما ومربّيكما ﴿تُكَذِّبانِ﴾ وتكفران ؟ عن الصادق عليهالسلام - في تأويل الآية - « فبأيّ النّعمتين تكفران ؟ بمحمد صلىاللهعليهوآله أم بعلي عليهالسلام » (٨) . وفي رواية ( الكافي ) : « أبا لنبي ، أم بالوصيّ » (٩) .
عن جابر ، أنّه قال : قرأ علينا رسول الله صلىاللهعليهوآله سورة الرحمن حتى ختمها ، ثمّ قال : « مالي أراكم سكوتا ؟ فانّ الجنّ أحسن منكم ردّا ما قرئت عليهم هذه الآية مرة ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ إلّا قالوا : لا بشيء من نعمك ربّنا نكذّب ، فلله الحمد » (١٠) .
__________________
(١) في النسخة : واحدا بعد واحد.
(٢) تفسير أبي السعود ٨ : ١٧٨.
(٣) تفسير القمي ٢ : ٣٤٤ ، تفسير الصافي ٥ : ١٠٨.
(٤-٦) تفسير روح البيان ٩ : ٢٩٢.
(٧) تفسير الرازي ٢٩ : ٩٤.
(٨) تفسير القمي ٢ : ٣٤٤ ، تفسير الصافي ٥ : ١٠٨.
(٩) الكافي ١ : ١٦٩ / ٢ ، تفسير الصافي ٥ : ١٠٨.
(١٠) تفسير روح البيان ٩ : ٢٩٣ ، وفيه : فلك الحمد.