يَوْمٍ﴾ وآن كائن ﴿هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ من شؤون رحمانيته وربوبيته وفيّاضيته ، ولا يشغله شأن عن شأن.
عن النبي صلىاللهعليهوآله : « أنّ الربّ لينظر إلى عباده كلّ يوم ثلاثمائة وستين نظرة ، يخلق ويرزق ويحيي ويميت » ويعزّ ويذلّ ، ويفعل ما يشاء ، فذلك قوله تعالى : ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾ » (١) .
وفي الحديث : « من شأنه أن يغفر ذنبا ، ويفرّج كربا ، ويرفع قوما ، ويضع آخرين » (٢) .
عن مقاتل ، قال : نزلت الآية في اليهود حين قالوا : إنّ الله لا يقضي يوم السبت شيئا ، ففيها رد لهم (٣) .
وقيل : إنّ قوله : ﴿هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ صفة اليوم ، والمعنى : أنّ في كلّ يوم هو في شأن ، يسأله من في السماوات والأرض ، لا اليوم الذي فيه في شأن ، وهو اليوم الذي يهلك جميع الموجودات ، ويقول : ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ﴾(٤) فانّ فيه لا يبقى أحد يسأله ، فهو السائل وهو المجيب (٥) .
أقول : الظاهر أنّه إخبار بعد إخبار. ثمّ إنّه تعالى لمّا ذكر إفاضته إلى جميع الخلق بنعمه التي لا تحصى ، طالبهم بالإقرار والشّكر بقوله : ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ .
﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣١) و (٣٢)﴾
ثمّ لمّا أخبر سبحانه بتوجّهه في الدنيا إلى شؤون خلقه ، أخبر بأنّه في الآخرة يصرف عن تلك الشؤون الدنيوية وبتوجّه إلى شؤونهم من الحساب وجزاء الأعمال بقوله : ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمْ﴾ وعن قريب نتجرّد عن الاشتغال بامور دنياكم لحساب أعمالكم ومجازاتكم عليها ﴿أَيُّهَ الثَّقَلانِ﴾ وسنقصدكم أيّها الجنّ والإنس.
وإنّما سمّيا بالثّقلين لرزانة رأيهما على قول ، أو لعلو قدرهما في الموجودات على آخر ، أو لتشبيه الأرض بالحمولة ، وجعل الإنس والجنّ أثقالا محمولة عليها على ثالث (٦) .
وعن الصادق عليهالسلام : « سمّيا ثقلين لأنّهما يثقلان بالذنوب » (٧) .
وقيل : إنّ الكلام مسوق للتهديد (٨) بشدّة الاهتمام بأمرهم ، وليس المقصود حقيقة الفراغ ، فانّ السيّد يقول عند الغضب لعبده : سأفرغ لك ، مع كونه فارغا جالسا لا يمنعه شغل (٩) .
ثمّ لمّا كان تعذيب الكفّار في القيامة ، وصرفه عن المؤمنين نعمة عظيمة عليهم ، والتنبيه عليهما
__________________
(١) مجمع البيان ٩ : ٣٠٦ ، تفسير روح البيان ٩ : ٣٠٠.
(٢) مجمع البيان ٩ : ٣٠٦ ، تفسير الصافي ٥ : ١١٠ ، تفسير روح البيان ، ٩ : ٣٠٠.
(٣) مجمع البيان ٩ : ٣٠٦ ، تفسير الصافي ٥ : ١١٠ ، تفسير روح البيان ، ٩ : ٣٠٠.
(٤) غافر : ٤٠ / ١٦.
(٥) تفسير الرازي ٢٩ : ١٠٩.
(٦) تفسير روح البيان ٩ : ٣٠١.
(٧) تفسير روح البيان ٩ : ٣٠١.
(٨) تفسير الرازي ٢٩ : ١١٠.
(٩) تفسير الرازي ٢٩ : ١١١.