نعمة عظيمة اخرى ، حثّ الناس على الإقرار بها والشكر عليها بقوله : ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ .
﴿يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطانٍ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٣) و (٣٤)﴾
ثمّ بيّن سبحانه لطفا بالعباد بعض أهوال القيامة وشدائدها بقوله : ﴿يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ﴾ وأيتها الجماعة العظيمة من الجنسين ﴿إِنِ اسْتَطَعْتُمْ﴾ وقدرتم ﴿أَنْ تَنْفُذُوا﴾ وتخرجوا ﴿مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ وجوانبهما وأطرافهما فرارا من عذاب الله ونكاله ، وتهربوا من ملك الله وسلطانه ﴿فَانْفُذُوا﴾ أو اخرجوا فارّين منه ، ومن الواضح أنّكم ﴿لا تَنْفُذُونَ﴾ ولا تخرجون منهما ولا تتخلّصون من أخذ الله وعذابه ﴿إِلَّا بِسُلْطانٍ﴾ وقوّة وقهر ، وأنى لكم ذلك ؟ وإنّما قدّم الجنّ على الإنس لكونهم أقدم خلقا ، وأقوى نفوذا ، وأشد بطشا من الإنس.
روي أنّ الملائكة تنزل وتحيط بجميع الخلائق ، فيهرب الإنس والجنّ ، فلا يأتون وجها إلّا وجدوا الملائكة أحاطت به ، فيقول لهم الملائكة ذلك (١) .
وعن ( المجمع ) : قد جاء في الخبر : يحاط على الخلق بالملائكة وبلسان من نار ، ثمّ ينادون : ﴿يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ﴾ إلى قوله : ﴿شُواظٌ مِنْ نارٍ﴾(٢) .
وعن الصادق عليهالسلام : « إذا كان يوم القيامة جمع الله العباد في صعيد واحد ، وذلك أنّه يوحي إلى السماء الدنيا : أن أهبطي بمن فيك ، فيهبط اهل السماء الدنيا بمثلي من في الأرض من الجنّ والإنس والملائكة ، فلا يزالون كذلك حتى يهبط (٣) أهل سبع سماوات ، فيصير الجنّ والإنس في سبع سرادقات من الملائكة ، ثمّ ينادي مناد ﴿يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ﴾ الآية ، فينظرون فإذا أحاط بهم سبع أطواق (٤) من الملائكة » (٥) .
ثمّ لمّا ذكر قال سبحانه : ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ من التنبيه والتحذير والمساهلة والعفو مع كمال القدرة.
﴿يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ
* فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (٣٥) و (٣٧)﴾
__________________
(١) تفسير روح البيان ٩ : ٣٠٢.
(٢) مجمع البيان ٩ : ٣١١ ، تفسير الصافي ٥ : ١١١.
(٣) في النسخة : يحيط.
(٤) في مجمع البيان : سرادقات.
(٥) مجمع البيان ٩ : ٣١١ ، تفسير الصافي ٥ : ١١١.