ثمّ يقول المنادي لهم تهويلا في ذلك اليوم : ﴿يُرْسَلُ عَلَيْكُما﴾ يا عصاة الجنّ والإنس ﴿شُواظٌ﴾ ولهب عظيم بلا دخان متصاعد ﴿مِنْ نارٍ﴾ ليسوقكم إلى المحشر ، كما عن ابن عباس (١) . وقيل : إنّ الشواظ هو اللهب المختلط بالدّخان (٢)﴿وَنُحاسٌ﴾ وقطر مذاب يصبّ من فوق رؤوسهم. وقيل : إنّه الدّخان الخالص (٣)﴿فَلا تَنْتَصِرانِ﴾ ولا تمتنعان من العذاب.
وقيل : إنّ قوله : ﴿لا تَنْفُذُونَ﴾ إشارة إلى أنّه لا مهرب لهم من العذاب قبل نزوله (٤) . وقوله : ﴿فَلا تَنْتَصِرانِ﴾ إشارة إلى أنّه لا ناصر ولا منج لهم منه بعد نزوله.
ثمّ لمّا كان بيان عاقبة الكفر والعصيان والتحذير عنها من الالطاف العظيمة والنّعم الجسيمة قال سبحانه : ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾.
ثمّ بالغ سبحانه في إرعاب القلوب بقوله : ﴿فَإِذَا انْشَقَّتِ﴾ وانصدعت ﴿السَّماءُ﴾ وانفكّ بعضها من بعض لعدم الحاجة إليها والدلالة على انقراض الدنيا المحتاجة إلى السقف والكواكب ، أو لنزول الملائكة ﴿فَكانَتْ﴾ وصارت حمراء تشبه ﴿وَرْدَةً﴾ حمراء - والزهرة المعروفة التي تشم - في اللون قيل : إنّ السماء لونها في الواقع الحمرة ، وإنّما ترى زرقاء للبعد (٥) . وقيل : يعني تتقلّب حمراء بعد أن كانت صفراء ﴿كَالدِّهانِ ،﴾ أو صارت كلون الورد تتلوّن كالادّهان المختلفة. وقيل : يعني تصير حمراء كالورد من حرارة جهنّم ، وتذوب وتجري كالدّهن المذاب (٦) . وجواب ( إذا ) محذوف ، والمعنى : إذا صارت السماء كذلك ، يكون من الأحوال والأهوال ما لا تحيط به دائرة المقال ، أو رأيت أمرا عظيما هائلا.
﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ * فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ * فَبِأَيِّ
آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ * يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي
وَالْأَقْدامِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ * هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا
الْمُجْرِمُونَ * يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما
تُكَذِّبانِ (٣٨) و (٤٥)﴾
ولمّا كان الإخبار بما ذكر من الزواجر التي هي أعظم النّعم ، قال سبحانه : ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما
__________________
(١) تفسير روح البيان ٩ : ٣٠٢.
(٢) تفسير الرازي ٢٩ : ١١٤ ، تفسير أبي السعود ٨ : ١٨٢.
(٣) تفسير أبي السعود ٨ : ١٨٢ ، تفسير روح البيان ٩ : ٣٠٢ ، وفيهما : اللهب الخالص.
(٤) تفسير الرازي ٢٩ : ١١٤.
(٥و٦) تفسير روح البيان ٩ : ٣٠٢.