﴿وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ * ذَواتا أَفْنانٍ *
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٦) و (٤٩)﴾
ثمّ لمّا حذّر الله العصاة بذكر سوء عاقبتهم وعذاب عصيانهم ، زجرا لهم عمّا هم عليه ، بيّن سبحانه حسن عاقبة المؤمنين الخائفين من عصيانه ، ترغيبا لهم إلى طاعته بقوله : ﴿وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ﴾ وحين الحضور في موقف فصل قضائه في القيامة ، وظهور آثار قدرته وسطوته وسلطانه ، وهتك السور ، وكشف حقائق الامور ، وقيام الأشهاد ، فاجتنب لخوفه ذلك مخالفته وعصيانه في الدنيا ﴿جَنَّتانِ﴾ قيل : جنة لتركه المعاصي والشهوات ، وجنّة لفعل الطاعات (١) . وقيل : جنّة لإيمانه ، وجنّة لعمله (٢) ، وأمّا الجنتان فجنّة عدن ، وجنّة نعيم (٣) . وقيل : جنة داخل القصر ، وجنّة خارجة (٤) . وقيل : جنّة لسكونته ، وجنّة لسكونة أزواجه وخدمه (٥) . وقيل : جنّة من ذهب ، وجنّة من فضة (٦) ، يطوف بينهما كما يطوف المجرم بين جهنّم وحميم ، وإنّما لم يقل يطوف بينهما الخائفون ، لوضوحه ولإظهار أنّهم ملوك يطاف عليهم احتراما لهم وإكراما في حقّهم ، ولا يطاف بهم.
عن الصادق عليهالسلام في هذه الآية قال : « من علم أنّ الله يراه ويسمع ما يقول ويعلم ما يعمله من خير أو شر ، فحجزه ذلك عن القبيح من الأعمال ، فذلك الذي خاف مقام ربّه [ ونهى النفس عن الهوى ] » (٧) .
وعن النبي صلىاللهعليهوآله : « من عرضت له فاحشة أو شهوة فاجتنبها من مخافة الله ، حرّم الله عليه النار ، وآمنه من الفزع الأكبر ، وأنجز له ما وعده في كتابه في قوله تعالى : ﴿وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ﴾ » (٨).
﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما﴾ من نعم الدنيا والآخرة ﴿تُكَذِّبانِ﴾
ثمّ وصف سبحانه الجنّتين بقوله : ﴿ذَواتا أَفْنانٍ﴾ وصاحبتا أغصان منشعبة من الشجرة ، عليها أوراق عجيبة ، وأثمار طيبة من غير سوق غلاظ ، مانعة عن التردّد فيها كيف شاء ، كذا قيل (٩) . وقيل : يعني صاحبتا أنواع من الأشجار المثمرة ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما﴾ من الآلاء الدنيوية والاخروية ﴿تُكَذِّبانِ﴾ .
﴿فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ
* فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ * مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٩ : ١٢٣ ، تفسير روح البيان ٩ : ٣٠٤.
(٢) تفسير روح البيان ٩ : ٣٠٤ ، وفيه : لعقيدته ، بدل لإيمانه.
(٣-٦) مجمع البيان ٩ : ٣١٤.
(٧) الكافي ٢ : ٥٧ / ١٠ ، تفسير الصافي ٥ : ١١٣.
(٨) من لا يحضره الفقيه ٤ : ٧ / ١ ، تفسير الصافي ٥ : ١١٣.
(٩) تفسير الرازي ٢٩ : ١٢٤.