وتخفض كلمة أو ترفعها ، أو المراد أنّ تلك الواقعة تخفض بعض الأشياء ، وترفع بعضا ، تحطّ الأشقياء ، وترفع السّعداء ، وتزيل الأجرام عن مقارّها بنثر الكواكب وإسقاط السماء كسفا ، وتسيير الجبال في الجو كالسّحاب ، وصيرورتها بعد الرفع عن الأرض [ كثيبا ] مهيلا منبسطا ، وصيرورة الأرض كثيبا مرتفعا ، وإنّما قدّم الخفض للتشديد والتهويل.
﴿إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا * فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا * وَكُنْتُمْ
أَزْواجاً ثَلاثَةً * فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ
ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (٤) و (١١)﴾
ثمّ بيّن سبحانه وقت كون القيامة خافضة رافعة بقوله : ﴿إِذا رُجَّتِ﴾ وزلزلت ﴿الْأَرْضُ رَجًّا﴾ وزلزالا عظيما ، وحرّكت تحريكا شديدا بحيث لا يبقى فوقها بناء ﴿وَبُسَّتِ﴾ وفتّتت ﴿الْجِبالُ﴾ أو سيقت وسيّرت من أماكنها ﴿بَسًّا﴾ وتفتينا عيجبا ، أو سوقا وسيرا سريعا ﴿فَكانَتْ﴾ وصارت جميع الجبال بسبب ذلك التفتت أو السوق ﴿هَباءً﴾ أو غبارا مرتفعا ، أو كالذرّات التي ترى في شعاع الشمس ، أو ما يتطاير من شرر النار ، أو ما ذرّت الريح من الأوراق ﴿مُنْبَثًّا﴾ ومتفرّقا ومنتشرا في الجوّ.
قيل : إنّ الله تعالى يبعث ريحا ، فتحمل الأرض والجبال ، وتضرب بعضها ببعض ، ولا تزال كذلك حتى تصير غبارا (١) .
﴿وَكُنْتُمْ﴾ أيّها الناس ، من الأولين والآخرين في ذلك اليوم ﴿أَزْواجاً﴾ وأصنافا ﴿ثَلاثَةً﴾ حسب اختلاف عقائدهم وأعمالهم في الدنيا ، أما الصنف الأول ﴿فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ﴾ والبركة والسعادة ، أو أهل المنزلة الرفيعة ، أو ذوي الصحائف التي يعطونها بأيمانهم ، أو الجماعة الذين (٢) يقومون عن يمين العرش ، أو كانوا على يمين آدم في عالم الذّر ويوم الميثاق ، وما تدرون أيّها العقلاء ﴿ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ﴾ وأيّ شيء هم في الفخامة وعلوّ الرّتبة ؟ فتتعجبون من حسن حالهم ، لكونهم مؤمنين صالحين ، وإن كان لهم تبعات يقومون بها للحساب ﴿وَ﴾ الصنف الثاني ﴿وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ﴾ والشرّ والشقاوة ، وأهل الذّلة والشراسة والنّكبة والدّناءة و﴿ما﴾ تدرون ما ﴿أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ﴾ وأيّ شيء هم في سوء الحظّ وحطّ المنزلة ؟ فتتعجبون من سوء حالهم لكونهم كفّارا طغاة مستحقيّن للعذاب ﴿وَ﴾ الثالث ﴿السَّابِقُونَ﴾ والمبادرون إلى الايمان والطاعة ، والمسارعون إلى الخيرات ، وهم ﴿السَّابِقُونَ﴾ والمبادرون إلى الجنة بغير حساب ، والمسارعون إلى الدرجات العاليات.
__________________
(١) تفسير روح البيان ٩ : ٣١٧.
(٢) في النسخة : التي.