الجنّة ، بل هي لذّة بلا أذى (١) . وقيل : ( لا ينزفون ) بمعنى لا يفقدون الشراب (٢) .
﴿وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثالِ
اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ * جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٠) و (٢٤)﴾
ثمّ لمّا كان دأب شاربي خمر الدنيا أكل شيء بعد الشرب من فاكهة أو لحم أو غيرهما ، ممّا يغيّر الذائقة ، وساقي الخمر يأتي للشارب بعد الشّرب بأحد الاشياء اللذيذة ، عطف سبحانه على قوله : ﴿بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ﴾ بقوله ﴿وَفاكِهَةٍ﴾ وثمار لذيذة ﴿مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ﴾ ويختارون ، مع أنّ كلّها خيار ﴿وَلَحْمِ طَيْرٍ﴾ من طيور الجنّة ﴿مِمَّا يَشْتَهُونَ﴾ وتميل إليه طباعهم مشويا أو مطبوخا ﴿وَ﴾ عندهم ﴿حُورٌ﴾ ونساء بيض ، أو شديد بياض عيونهنّ (٣) وسوادها ﴿عِينٌ﴾ وواسعات الأحداق وهنّ في الصفاء والبياض ﴿كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ﴾ والدّر ﴿الْمَكْنُونِ﴾ والمخزون في الصدف لم تمسه الأيدي ، ولم تره الأعين ، أو المصون ممّا يضرّ بصفاته وشدّة بياضه ، وإنّما ننعم عليهم بتلك النّعم العظام لكونها ﴿جَزاءً بِما كانُوا﴾ في الدنيا ﴿يَعْمَلُونَ﴾ من الأعمال الحسنة الصالحة.
﴿لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً * إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً * وَأَصْحابُ الْيَمِينِ
ما أَصْحابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ *
وَماءٍ مَسْكُوبٍ * وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ * وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ *
إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً * فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً * عُرُباً أَتْراباً * لِأَصْحابِ الْيَمِينِ *
ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (٢٥) و (٤٠)﴾
ثمّ ذكر سبحانه ما تلتذ به اسماعهم في الجنّة بقوله : ﴿لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً﴾ وباطلا ، وكلاما لا ينتفع ولا يعتدّ به ﴿وَلا تَأْثِيماً﴾ وكلاما فيه نسبتهم إلى الباطل والمعصية ، كقول : أنت فاسق أو سارق ، أو شارب خمر محرّم ، كما قيل (٤) .
وعن ابن عباس ، قال : لا يقول بعضهم لبعض : أثمت (٥) .
وعن القمي : يعني الفحش والكذب [ والغناء ](٦) .
والحاصل أنّه ليس في الجنة كلام لغو ولا مؤلم لا محقّقا ولا فرضا ﴿إِلَّا قِيلاً﴾ وكلاما مفروض
__________________
(١) تفسير روح البيان ٩ : ٣٢٢.
(٢) تفسير الرازي ٢٩ : ١٥٢ ، تفسير روح البيان ٩ : ٣٢٢.
(٣) في النسخة : شديدة بياض عيونهم.
(٤) تفسير الرازي ٢٩ : ١٥٨ و١٥٩.
(٥) مجمع البيان ٩ : ٣٢٨.
(٦) تفسير القمي ٢ : ٣٤٨ ، تفسير الصافي ٥ : ١٢٢.