اللغوية على الفرض المحال ، وهو قول بعض لبعض عند الملاقات في الجنة ، أو حين التوجه ، أو قول الملائكة لهم : سلّمت ﴿سَلاماً﴾ أو سلّمك الله ﴿سَلاماً﴾.
وقيل : إنّ الاستثناء منقطع ، والمعنى : ولكن يسمعون سلاما بعد سلام (١) من الله ، كما قال سبحانه ﴿سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾(٢) أو من الملائكة ، كما قال تعالى : ﴿يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ* سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ﴾(٣) أو بعضهم على بعض ، كما قال تعالى : ﴿فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ﴾(٤) أو المراد أنّهم يفشون السّلام ، أو لا يسمع المسلّم والمسلّم عليه إلّا السّلام بدءا وردّا (٥) .
ثمّ شرع سبحانه في بيان حسن حال اصحاب الميمنة بقوله تعالى : ﴿وَأَصْحابُ الْيَمِينِ﴾ وما تدرون ﴿ما أَصْحابُ الْيَمِينِ﴾ وأيّ اشخاص هم في العظمة والكرامة عند الله ؟ هم يوم القيامة متمكّنون ﴿فِي﴾ جنة ذات ﴿سِدْرٍ﴾ وشجر نبق ، وهو عزيز عند العرب ، ورقه في غاية الصّغر ، وثمره محبوب عندهم ، ولكن يخالف سدر الدنيا في أنّ له شوكا كثيرا يكسر ورقه ، ولو لاه لكان أصفى الشجر عند العرب لكثرة أوراقه ، ودخول بعضها في بعض ، وسدر الجنة بلا شوك ، وهو معنى ﴿مَخْضُودٍ﴾ على ما قيل (٦) . وقيل : إنّ معنى مخضود منعطف الأغصان إلى الأسفل لكثرة ثمره (٧) .
﴿وَ﴾ ذات ﴿طَلْحٍ﴾ وشجر موز ورقه في غاية الكبر و﴿مَنْضُودٍ﴾ بعضه فوق بعض بحيث لا يكون فصل بين أوراقه. وقيل : منضود حمله وراكب بعضه على بعض من أسفله إلى أعلاه ، ليس له ساق بارز (٨) .
وقيل : الطلح : شجر أمّ غيلان ، له أنوار كثيرة منتظمة طيبة الرائحة ، تقصد العرب منه النّزهة والزّينة (٩) .
وعن مجاهد : كان لأهل الطائف واد معجب ، فيه الطلّح والسّدر ، فقالوا : يا ليت لنا في الجنة مثل هذا الوادي ، فنزلت هذه الآية (١٠) .
﴿وَ﴾ ذات ﴿ظِلٍّ مَمْدُودٍ﴾ عريض لا ينتقص أبدا ، كظلّ ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
روى أنّ أوقات الجنة كغدرات الصيف لا يكون فيه حر ولا برد (١١) .
وفي الحديث : « في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها » (١٢) .
وعن الباقر عليهالسلام ، عن النبي صلىاللهعليهوآله في حديث يصف أهل الجنة قال : « ويتنعمون في جنّاتهم في ظلّ ممدود في مثل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، وأطيب من ذلك » (١٣) .
__________________
(١) تفسير روح البيان ٩ : ٣٢٣.
(٢) يس : ٣٦ / ٥٨.
(٣) الرعد : ١٣ / ٢٣ و٢٤.
(٤) الواقعة : ٥٦ / ٩١.
(٥) تفسير أبي السعود ٨ : ١٩٢ ، تفسير روح البيان ٩ : ٣٢٤.
(٦ - ١٠) تفسير روح البيان ٩ : ٣٢٤.
(١١) مجمع البيان ٩ : ٣٣٠.
(١٢) تفسير روح البيان ٩ : ٣٢٥.
(١٣) الكافي ٨ : ٩٩ / ٦٩ ، تفسير الصافي ٥ : ١٢٣.