حاجة بالنار لحفظهم من السباع ودفع البرد وغير ذلك. وقيل : يعني للذين أوقدوها وقوّوها (١) ، أو للذين خلت بطونهم ، أو مزاودهم (٢) من الطعام ، وفي تقديم التذكرة إشعار بأهمية المنافع العقلية من المنافع الجسمانية.
﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ * فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ
تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٧٤) و (٧٦)﴾
ثمّ لمّا أثبت سبحانه التوحيد والمعاد ، أمر نبيّه صلىاللهعليهوآله بتنزيهه عن الشريك وترك إعادة الخلق للحساب بقوله تعالى : ﴿فَسَبِّحْ﴾ يا محمد ﴿بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ وذاته المقدسة عمّا لا يليق به من الشريك ، وخلق العالم عبثا ، وعدم إعادة الخلق للحساب والجزاء ، وفي إضافة التسبيح إلى اسمه دلالة على نهاية عظمة المسمّى ، والظاهر أنّ المراد أمر النبي صلىاللهعليهوآله بتسبيح الله وإقران تسبيحه بذكر اسم ربّه العظيم ، بأن يقول : سبحانه ربّي العظيم.
روي عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه لمّا نزلت الآية قال : « اجعلوها في ركوعكم » (٣) .
ثمّ إنّه تعالى بعد إثبات التوحيد والمعاد بالأدلة القاطعة ، وكان ذلك دليلا على صحّة نبوة نبينا صلىاللهعليهوآله وصدق القرآن ، ولم يبق مجال للاستدلال عليهما لوضوحهما ، أقسم سبحانه عليهما بقوله : ﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ﴾ التي في السماء ومساقطها. قيل : هي مشارقها ومغاربها ، أو مغاربها وحدها ، أو منازلها وبروجها ، أو مساقطها في اتّباع الشياطين ، أو في القيامة حين انتشارها (٤) .
وقيل : إنّ المراد بالنجوم معاني الآيات وأحكامها التي وردت فيها.
قيل : إن كلمة ( لا ) زائدة يجاء بها لتأكيد القسم (٥) . وقيل : إنّ الأصل لأقسم بلام التأكيد ، اشبعت فتحتها فصارت ( لا ) (٦) وقيل : إنّها نافية على أصلها (٧) ، والمنفي محذوف ، والتقدير : فلا صحة لقول الكفار من انكار البعث ، أو كون القرآن كلام البشر ، اقسم عليه بمواقع النجوم : وقيل : إنّ المعنى لا اقسم لظهور الأمر ووضوحه (٨) ، وإلا لكنت اقسم بمواقع النجوم ، وفيه دلالة بناء عليه على ظهور الأمر والحلف عليه. وعن الصادق عليهالسلام قال : « كان أهل الجاهلية يحلفون بها ، فقال الله عزوجل : ﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ﴾ » (٩) .
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٩ : ١٨٤.
(٢) المزاود : جمع مزود : وعاء الزاد.
(٣) مجمع البيان ٩ : ٣٣٩ ، تفسير الصافي ٥ : ١٢٨.
(٤) تفسير الرازي ٢٩ : ١٨٨.
(٥-٧) تفسير الرازي ٢٩ : ١٨٧.
(٨) تفسير أبي السعود ٨ : ١٩٩ ، تفسير روح البيان ٩ : ٣٣٦.
(٩) الكافي ٧ : ٤٥٠ / ٤ ، تفسير الصافي ٥ : ١٢٨.