وعنهما عليهماالسلام : « أن مواقع النجوم رجومها للشياطين ، فكان المشركون يقسمون بها ، فقال سبحانه : فلا اقسم بها » (١) .
وقال الطريحي : في الحديث يعني به اليمين بالبراءة من الأئمة عليهمالسلام ، يحلف بها الرجل ، يقول : إنّ ذلك عند الله عظيم (٢) ، وهو قوله : ﴿وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ﴾(٣) .
قيل : إنّ المعنى : ليس تركي للقسم بمواقع النجوم لأجل أنّه ليس بقسم (٤) ، أو ليس بقسم عظيم ، بل لأنّي أريد بتركي القسم به أن اقسم بأعظم منه لغاية جزمي بصحّة المقسم عليه (٥) ، وإنّ القسم بمواقع النجوم عظيم لو تعلمون عظمته ، أو لو كنتم من أهل العلم لصدّقتموني (٦) .
ولمّا كان المقسم به - وهو اختلاف مواقع النجوم ومغاربها - دليلا على كمال قدرة الله ، استدلّ بها بصورة القسم ، كأنّ المعنى : لو تعلمون أنّ اختلافها ليس إلّا لكونها تحت قدرة القادر المختار الحكيم ، لاعترفتم بمدلوله ، وهو توحيد الله وقدرته على كلّ شيء ، ومنه حشر الأجساد البالية.
﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ
الْعالَمِينَ * أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ * وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ
تُكَذِّبُونَ (٧٧) و (٨٢)﴾
ثمّ ذكر سبحانه المقسم عليه ، وهو كون القرآن كلام الله بقوله : ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ﴾ متلوّ على النبي صلىاللهعليهوآله من جانب الله ، وهو ﴿كَرِيمٌ﴾ وذو فضل عميم ونفع عظيم في الدنيا والآخرة ، لاشتماله على اصول العلوم وصلاح المعاش والمعاد ، أو حسن مرضيّ من الكتب ، أو ذو كرامة عند الله ، ولذا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وهو مكتوب ﴿فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ﴾ ومصون عن أن تناله أيدي الثقلين ، أو محفوظ عن التغيير والتبديل ، أو مستور عن أعين غير المقرّبين من الملائكة ، وهو اللّوح المحفوظ ، وفيه ردّ على المشركين القائلين بأنّه كلام البشر ، أو شعرأ سحر وكهانة.
ثمّ بالغ سبحانه في بيان عظمة شأنه عنده بقوله : ﴿لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ من الأخباث والأحداث ، وهم الملائكة المنزهون عن الادناس الجسمانية ، والمؤمنون المنظفون عن الأحداث البشرية.
__________________
(١) مجمع البيان ٩ : ٣٤١ ، تفسير الصافي ٥ : ١٢٨.
(٢) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٢٣٧ / ١١٢٣ ، تفسير الصافي ٥ : ١٢٨.
(٣) مجمع البحرين ٣ : ١٩٦١ - وقع -
(٤) تفسير الرازي ٢٩ : ١٩٠.
(٥) تفسير الرازي ٢٩ : ١٩٠.
(٦) تفسير الرازي ٢٩ : ١٨٩.