الآية على النحوين ( رزقكم ) و( شكركم ) .
والذي يهوّن الخطب أن الروايتين لا حجّية فيهما ، لكونهما أخبار آحاد ، وغير قطعيتين ، وعدم ترتّب عمل عليهما ، بل عدم جوازه ، لوضوح عدم حرمة مسّ ( شكركم ) إذا كتب بدل ( رزقكم ) وعدم جواز قراءته في الصلاة ، أو في غير الصلاة بقصد القرآنية.
ومن المعلوم أنّ هذا النحو من الحذف والوصل كثير في القرآن المجيد ، وقد ورد أنّ الآية توبيخ لمن نسب الأمطار والأرزاق إلى الأنواء ، وهي منازل القمر ، أو النجوم التي يسقط واحد منها عند طلوع الفجر في جانب المغرب ، ويطلع رقيبه من ساعته في جانب المشرق ، وكانت العرب تنسب الأمطار والرياح إلى الساقط أو إلى الطالع منها ، وهو الشّرك بالله العظيم ، وتكذيب لقوله : ﴿هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ﴾(١) وقوله : ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ﴾(٢) إلى غير ذلك.
﴿فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ
وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ
صادِقِينَ (٨٣) و (٨٧)﴾
ثمّ بيّن سبحانه أنّهم لا يبقون على ذلك التكذيب والقول بالأنواء عند الموت وحين انكشاف حقائق الامور بقوله : ﴿فَلَوْ لا﴾ وهلّا تقولون أيّها المشركون هذه الأقوال الشنيعة ﴿إِذا بَلَغَتِ﴾ أرواحكم ﴿الْحُلْقُومَ﴾ ومجرى النفس ، وتداعت إلى الخروج من أبدانكم ﴿وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ﴾ إلى ما أنتم فيه من غمرات الموت ، ولو كان ما تقولونه لكان الواجب أن تقولنه في ذلك الوقت الذي هو زمان ظهور الواقعيات ورفع حجاب الجهل والشّبهات.
وقيل : إنّ الخطاب للحاضرين عند المحتضر (٣) ، والمعنى والحال أنّكم في ذلك الوقت حاضرون عند من بلغت الروح حلقه ، وتنظرون إلى ما هو فيه من سكرات الموت ، وتعطفون عليه غاية العطوفة ، وتشتاقون إلى أن تنجونه من الموت والهلاك ﴿وَ﴾ مع كمال قربكم منه ﴿نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ﴾ في تلك الحال ، وفي جميع الأحوال علما وقدرة وتصرفا ، حيث إنّا متولّون لجميع أحواله ﴿وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ﴾ ولا تدركون قربنا إليه وإحاطتنا به ، وكونه بشراشر وجوده تحت قدرتنا وتصرفنا.
__________________
(١) الشورى : ٤٢ / ٢٨.
(٢) الواقعة : ٥٦ / ٦٨.
(٣) تفسير البيضاوي ٢ : ٤٦٤ ، تفسير الصافي ٥ : ١٣٠ ، تفسير روح البيان ٩ : ٣٣٩.