في ذلك : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ﴾ ... الآية (١) .
﴿وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ
وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (١١)﴾
ثمّ نهى سبحانه عن إيذاء المؤمنين والمؤمنات بالقول بقوله : ﴿وَلا تَلْمِزُوا﴾ ولا تعيبوا غيركم من المؤمنين ، أو لا تطعنوهم فكأنّهم تعيبون ﴿أَنْفُسَكُمْ﴾ لأنّ المؤمنين كنفس واحدة ، فما يصيب واحدا منهم كأنّه يصيب جميعهم.
وقيل : إنّ المعنى لا تعيبوا غيركم ، فانّه يكون سببا لأن يبحث من عبتموه عن عيوبكم فيعيبكم ، فبالتعييب عبتم أنفسكم (٢) .
وقيل : إنّ المراد لا تفعلوا ما تعيبون به ، فكأنّكم تعيبون أنفسكم (٣) .
﴿وَلا تَنابَزُوا﴾ ولا يدعوا غيركم من المؤمنين ﴿بِالْأَلْقابِ﴾ السوء ﴿بِئْسَ الِاسْمُ﴾ وساء الذكر المرتفع بين الناس ﴿الْفُسُوقُ﴾ والذكر الذي يخرج المذكور من الايمان ﴿بَعْدَ﴾ كونهم داخلين في ﴿الْإِيمانِ﴾.
في ذكر بعض مطاعن عائشة وحفصة
روت العامة أنّ الآية نزلت في صفية بنت حيي بن أخطب ، أتت رسول الله صلىاللهعليهوآله باكية ، فقالت : إنّ عائشة قالت لي : يا يهودية بنت اليهوديين ، فقال صلىاللهعليهوآله : « هلا قلت إن أبي هارون ، وعمّي موسى ، وزوجي محمد ؟ ! » (٤) .
أقول : انظروا إلى هذه البذيّة ، كيف يطهّرها العامة من الذنوب والعيوب ، ويفضّلونها على فاطمة المعصومة ، ليت الرسول علّمها أن تقول لها : يا مشركة بنت المشركين ، وفي الحديث « من عيّر مؤمنا بذنب تاب منه » كان حقا على الله أن يبتليه به ، ويفضحه بين الناس » (٥) .
أقول : قد حقّق مضمون الحديث في عائشة ، فانّها عيّرت صفية بكفرها ، فابتلاها الله بالقتال مع عليّ عليهالسلام الذي كان نفس الرسول صلىاللهعليهوآله وهو كفر ، أو بمنزلة الكفر.
ثمّ حثّ سبحانه الناس على التوبة من تلك المنهيات التي كلّها ظلم على المؤمنين بقوله : ﴿وَمَنْ﴾ ارتكب تلك المعاصي و﴿لَمْ يَتُبْ﴾ إلى الله تعالى منها ﴿فَأُولئِكَ﴾ العصاة ﴿هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ على ربّهم بخروجهم عن طاعته ، وكفران نعمته ، وتضييع حقوقه ، وعلى أنفسهم بتعريضها للهلاك
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ٣٢١ ، تفسير الصافي ٥ : ٥٢.
(٢) تفسير الرازي ٢٨ : ١٣٢.
(٣) تفسير الرازي ٢٨ : ١٣٢ ، تفسير روح البيان ٩ : ٨١.
(٤) تفسير روح البيان ٩ : ٨٢.
(٥) تفسير روح البيان ٩ : ٨٢.