معاون ومعاضد وإله ومادة ومدة ، ومن المعلوم أنّ من له هذه القدرة الكاملة والعلم الشامل ، والغناء والسلطان الدائم ، مستحقّا للتنزيه عن العجز والجهل والحاجة والفقر بحكم العقل.
﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣)﴾
ثمّ وصف سبحانه ذاته بالأزلية والأبدية المساوقتين لوجوب الوجود بقوله : ﴿هُوَ﴾ تعالى الموجود ﴿الْأَوَّلُ﴾ الذي لا أول له ، والسابق الذي لم يسبقه شيء في الوجود ، والكائن الذي لا كينونية لشيء قبل كينونيّته ﴿وَالْآخِرُ﴾ الذي لا آخر له ولا متأخّر عنه ، والباقي الذي لا فناء له ولا زوال ﴿وَالظَّاهِرُ﴾ والمشهود بالصفات والآثار ﴿وَالْباطِنُ﴾ والخفيّ بالذات والكنه.
قيل : يعني هو الأول في سلسلة الموجودات ، والآخر لها بحيث ينتهي إليه كلّ شيء ، والظاهر يعني الغالب على كلّ شيء ، والباطن يعني العالم ببواطن كلّ شيء (١) .
وقيل : إنّه أول لأنّه قبل كلّ شيء ، وإنّه آخر لأنّه بعد كلّ شيء (٢) ، وإنّه ظاهر بحسب الدلائل ، وإنّه باطن لأنّه لا يدرك بالحواس.
روي أنّ فاطمة الزهراء عليهاالسلام دخلت على رسول الله صلىاللهعليهوآله فسألته خادما فقال صلىاللهعليهوآله : « ألا أدلّك على ما هو خير لك من ذلك ؟ » قالت : « نعم » . قال : « قولي : اللهم ربّ السماوات السبع ورب العرش العظيم ، وربّنا وربّ كلّ شيء ، منزل التوراة والانجيل والفرقان ، فالق الحبّ والنّوى ، أعوذ بك من شرّ كلّ ذي شرّ أنت آخذ بناصيته - أو من شرّ كل دابة أنت آخذ بناصيتها - أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ، اقض عنّي الدين ، وأغنني من الفقر » (٣) .
وفي رواية : « صلّ على محمد وآله ، واقض عنّي الدين ، وأغنني من الفقر ، ويسّر لي كلّ الأمر برحمتك يا أرحم الراحمين » (٤) .
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام قال : « الذي ليس لأوّليته نهاية ، ولا لآخريته حدّ ولا غاية » وقال : « الذي بطن من خفيّاته الامور ، وظهر في العقول بما يرى في خلقه من علامات التدبير » (٥) .
وقيل : يعني هو الأول بالأزلية ، والآخر بالأبدية ، والظاهر بالأحدية ، والباطن بالصّمدية (٦) ، وحاصل الجميع أنّه لا ابتداء لوجوده ، ولا اختتام له ، لاستحالة عدمه بدوا وختما ، وكلّ شيء منه بدأ وإليه
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٩ : ٢٠٤.
(٢) تفسير روح البيان ٩ : ٣٤٦.
(٣) تفسير روح البيان ٩ : ٣٤٧.
(٤) بحار الأنوار ٩٥ : ٤٠٦.
(٥) الكافي ١ : ١٠٩ / ٧ ، تفسير الصافي ٥ : ١٣٢.
(٦) مجمع البيان ٩ : ٣٤٧ ، تفسير روح البيان ٩ : ٣٤٩.