لكم عينه ولا منافعه ، وأما إذا انفقتم في سبيل الله يبقى لكم إلى الأبد ، بل يربو ويضاعف أضعافا كثيرة بشرط الإيمان الحقيقي ، كما نبّه سبحانه عليه بقوله : ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ﴾ [ إيمانا ] خالصا لله ﴿وَأَنْفِقُوا﴾ في سبيله وطلبا لمرضاته بعنوان الزكاة أو غيرها من الوجوه البرّية ﴿لَهُمْ﴾ في الآخرة ﴿أَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ وثواب عظيم.
قيل : نزلت الآية في غزوة تبوك (١) .
ثمّ وبّخ سبحانه على ترك الايمان مع تأكّد مقتضياته بقوله : ﴿وَما لَكُمْ﴾ وأيّ فائدة أو عذر في ترك الايمان تتصوّرون ، ولذا ﴿لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ﴾ مع حكم العقل والعقلاء بوجوبه ؟ ﴿وَالرَّسُولُ﴾ المرسل من جانب الله لدعوتكم إلى الايمان ﴿يَدْعُوكُمْ﴾ إليه ، ويبعثكم عليه بالحجج والمواعظ الحسنة ﴿لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ﴾ اللطيف بكم ، المنعم عليكم ﴿وَقَدْ أَخَذَ﴾ الله ﴿مِيثاقَكُمْ﴾ والعهد الأكيد منكم على الايمان به في عالم الذرّ ، على ما قاله جمع من المفسرين (٢) ، أو بإقامة الحجج والبراهين القاطعة على توحيده ، ونصب الدلائل الواضحة ، وتمكينكم من النظر فيها ، وذلك أوثق من الحلف والعهد اللفظي ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ بشيء لأجل الدليل عليه ، فتوحيد الله شيء لا يساويه شيء في كثرة الدليل عليه.
وقيل : يعني إن كنتم مصدّقين بالميثاق (٣) .
﴿هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ
اللهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ * وَما لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ
أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَاللهُ
بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٩) و (١٠)﴾
ثمّ بيّن سبحانه دليل ربوبيته ورسالة رسوله ورجوع (٤) فائدة الايمان إليهم بقوله : ﴿هُوَ﴾ الرب اللطيف ﴿الَّذِي يُنَزِّلُ﴾ من قبله ، أو من اللّوح المحفوظ ﴿عَلى عَبْدِهِ﴾ محمد صلىاللهعليهوآله بتوسّط جبرئيل ﴿آياتٍ﴾ عظيمة الشأن ﴿بَيِّناتٍ﴾ وواضحات الدلالات على كلّ حقّ وحقيقة ، وإنّما فعل ذلك ﴿لِيُخْرِجَكُمْ﴾ أيّها الناس ، أو العرب ، أو الحاضرين في مكّة بسبب ذلك ﴿مِنَ الظُّلُماتِ﴾ ظلمة
__________________
(١) تفسير روح البيان ٩ : ٣٥٣.
(٢) تفسير الرازي ٢٩ : ٢١٧.
(٣) تفسير روح البيان ٩ : ٣٥٤.
(٤) كذا الظاهر ، والكلمة غير واضحة في النسخة.